د. محمد كامل يكتب: الصراع العلمي من أجل السيطرة على الأرض (1)

قد يكون ظاهر التقدم التكنولوجي هو منفعة البشرية، وهناك مبررات مقنعة لذلك. فمنذ عقود قريبة، تم الترويج للبث الفضائي باعتباره وسيلة لخلق "قرية صغيرة" على وجه الأرض، حيث يمكنك متابعة كل ما يحدث حولك، ولن تخفى عليك خافية. ولكنك في النهاية لن تكون شريكًا في الأحداث، بل مجرد مشاهد عاجز لا يملك إلا التبرع للضحايا، وإن أصابتك مصيبة، فلا تتوقع أكثر مما قدمت.
وقد تلا البث الفضائي توسع الشبكة العنكبوتية، التي فرحنا بها، فقد يسرت لنا التواصل ودعمت البحث العلمي. فقد أصبحت تستطيع إرسال ورقة بحثية خلال دقيقة واحدة بدلًا من أسابيع أو حتى شهور عبر البريد العادي. وربما يمكنك التحاور مع المحرر للمجلة أو أحد المحققين. يا الله، كل ذلك جميل! ييسر لي سرعة النشر والترقية، ولكن أليست التكنولوجيا قد يسرت لهم الاطلاع على آلاف الأبحاث والتجسس على تفكير ومسار البحث العلمي؟ نعم، قد تقول إنك طبيعي، ستنشر في مجلة علمية عالمية وتبحث عن تلك التي تتمتع بأعلى تأثير وتصنيف متقدم، وهو ما يسهل عليهم تحديد المواقع الإلكترونية لمجلات قوية ذات تخصصات مهمة، ومن خلالها يمكنهم فهم التوجه العلمي للباحثين في كل أنحاء العالم.
قد تتساءل: ولماذا كل هذه المحاذير الواهية؟ فالبحث العلمي لخدمة الإنسانية، وليس من الخطورة أن نخفيه عن العالم؟ الإجابة هي: إذا كنت بلا خصوصية، فليس الهدف من أبحاثك تطوير أمتك، بل هدفك هو الترقي في وظائفك أو خشية فصلك من الجامعة لعدم نشاطك العلمي.
لقد أدت تلك المفاهيم إلى قناعة قد نُنكرها أو لا نُصرح بها، وهي أن البحث العلمي أصبح مجرد "أكل عيش" لا أكثر. وانعكس ذلك على الوضع العام، فمن المسلم به أن الوزارات المعنية بالتطوير على المستوى المحلي، والمنوطة بسد حاجات المجتمع، وعلى رأسها وزارة الصناعة والزراعة التي يترأسها وزير متخصص، أستاذ جامعة أو مهندس أو زراعي، قد حل العديد من المشاكل أو طور ما نقلناه عن الأمم الأخرى بفضل أفكاره البحثية. ولذلك تم اختياره برغبة لإدارة الوزارة لتحقيق هدف قومي محدد. ولكن، هل نجح وزير متخصص وأستاذ جامعي نشط في إدارة ملف وزارة ونقلها نقلة جوهرية تقدمنا بها للأمام؟
لقد أدى الحصار العلمي إلى انحسارنا في دائرة من المعلومات التي تلقيناها، بمصطلحات علمية محددة، ندور في فلكها، مقلدين من سبقونا إليها، وفي أفضل الأحوال نقدم لهم أفكارًا مجانية يستغلونها لانشغالهم بتكنولوجيا متطورة تمكنهم من السيطرة على العالم.
لقد كانت الحرب البيولوجية في بداياتها تعتمد على أمراض جلدية مثل الجرب، ثم الجمرة الخبيثة، أما الآن فقد قادت الأبحاث إلى القنابل الوراثية والحروب الكهرومغناطيسية التي تمكن من التلاعب بالمناخ وإثارة الزلازل والحرائق التي لا نملك إلا مشاهدتها عبر البث الفضائي. إن الدول التي لا تملك التكنولوجيا المضادة للتطور العلمي المثير، والذي يهدف إلى السيطرة على الأرض، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، إلا أن تنتظر قدرها. في الوقت الذي تتجه فيه التكنولوجيا إلى تحريك الموتى والسيطرة على الأحياء وتوجيه سلوكهم. وللحديث بقية.