الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

هل يقضي "ترخيص السناتر" ومجموعات التقوية على أزمة الدروس الخصوصية في مصر؟

كشكول

أمهات: المراكز سترفع الأسعار مقابل دفع تكاليف الترخيص.. وأصحابها سيلجأون لـ"دروس المنازل"

"التعليم": مشروع قانون لحبس مسئولي المراكز غير المرخصة.. و«المعلمين»: أرفعوا الرواتب أولاً

أولياء أمور: منعها يزيد معاناتنا.. والحل في إصلاح المدارس وتقليل كثافة الفصول

معلمون عن "مجموعات التقوية": شاركنا فيها فكوفئنا بعدم الحصول على المستحقات

 

في إطار جهودها للتطوير، وتطبيقها لمنظومة التعليم الجديدة، أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، مؤخرا، أنها بصدد إعداد مشروع قانون جديد لتجريم الدروس الخصوصية، في محاولة للقضاء على الظاهرة التي تشكل عبئا على أولياء الأمور.

وذكرت الوزارة أنها ستتقدم بمشروع القانون الجديد إلى مجلس النواب فور الانتهاء من صياغة مواده تمهيدا لاعتماده في الفترة المقبلة ودخوله فورا إلى حيز التنفيذ، مشددة على أنه سيتضمن عددا من المواد التي تغلط العقوبة على مراكز الدروس الخصوصية غير المرخصة وممارسي مهنة التعليم دون تصريح.

وإلى جانب مشروع القانون، تظهر مطالبات عدة بالاهتمام بـ«مجموعات التقوية داخل المدارس»، والتي ظلت لفترة طويلة ملجأ عديد من الأسر ذات الدخل المحدود للهروب من التكلفة المالية المرتفعة لمقدمي الدروس الخصوصية.. فهل يمكن لهاتين الخطوتين القضاء على فوضى  الدروس الخصوصية أم لا.. هذا ما يحاول «كشكول» الإجابة عنه في السطور التالية.

1-«التعليم»: مشروع قانون لحبس مسئولي المراكز غير المرخصة.. و«المعلمين»: أرفعوا الرواتب أولاً

قال الدكتور محمد عمر، نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشئون المعلمين، إن الوزارة تعمل حاليا على إعداد مشروع قانون جديد لمعاقبة مراكز الدروس الخصوصية غير المركزة، تمهيداً لتقديمه إلى مجلس النواب بعد موافقة مجلس الوزراء.

وأوضح «عمر» أن مشروع القانون الجديد يأتي ضمن آليات الوزارة للقضاء على ظاهرة الدورس الخصوصية وتجريمها، في ظل أن مواده تتضمن «فرض عقوبات كبيرة على العاملين في المراكز غير المصرح لها بالعمل وفقا لقواعد الوزارة»، تبدأ بالغرامات المالية وتصل إلى الحبس.

وأضاف: «مشروع القانون يتناول ممارسة البعض لمهنة التدريس دون تصريح، ويختص بمن يتعاملون مع الطلاب من سن ٦ سنوات وحتى ١٨ سنة، ومواده تتضمن تغليظ عقوبة التعدي على المنشآت التعليمية والمعلمين أثناء تأدية مهام عملهم، ليواجه مرتكبوها عقوبات تصل إلى السجن لمدد متفاوتة».

ويتضمن المشروع الجديد تعديلات في مواد قانون التعليم الحالى، خاصة تلك المنظمة للعلاقة بين الطالب والمعلم، مع رفع سقف العقوبات على المخالفين بما يصل إلى الفصل حال ارتكاب فعل لا يليق بالمؤسسات التعليمية، وفق نائب الوزير لشؤون المعلمين.

وقال إن الوزارة ستضع للمرة الأولى مادة خاصة تتضمن إثابة المعلمين والطلاب المتميزين من أجل تحفيز جودة الأداء وإعادة نشر ثقافة الأخلاق والقيم الحميدة داخل المجتمع.

وشدد على أن مواد «تجريم الدروس الخصوصية» في القانون ستكون واجبة النفاذ فور اعتمادها، معتبرا أن عدم تحقيق الوزارة أي نجاحات سابقة في التعامل مع هذا الملف يرجع إلى غياب القانون أو تضارب مواده مع غياب الآليات المنظمة للتعامل معه، وهو ما سيتغير حاليا.

وأوضح: «القانون الجديد يوحد كل الجهات المسئولة عن العملية التعليمية ويضعها جميعا تحت ولاية جهة واحدة فقط، لضمان تفعيل مواده على أكمل وجه دون تضارب الاختصاصات».

من جهته، دعا إبراهيم شاهين، وكيل نقابة المهن التعليمية، وزارة التعليم إلى النظر إلى معالجة مشكلة الدورس الخصوصية من جذورها، دون الاكتفاء بالتعامل مع الظاهرة من الخارج، مرجعاً الأزمة إلى ضعف رواتب المعلمين.

وقال شاهين إنه يجب معالجة السبب الحقيقي وراء الدروس الخصوصية، والعمل على تعديل رواتب المعلمين حتى تتلاءم مع متطلبات حياتهم، خاصة وأن بعضهم لجأوا إليها لعدم وجود فرص أخرى متاحة أمامهم من أجل تحسين دخلهم، وذلك عقب لجوئهم إلى العمل في مهن لا تليق بمعلم فاضل مثل سائق توكتوك أو في العمالة اليومية.

وطالب الوزارة بضرورة منح المعلم ما يكفيه أولا ويحافظ على كرامته ويتناسب مع مستوى الأسعار وتكاليف المعيشة قبل العمل على تجريم ممارسته للدروس الخصوصية.

وشدد وكيل المهن التعليمية على أهمية تجريم ممارسة البعض من غير المعلمين للمهنة مع انتحالهم صفة معلم،  متسائلا: «ما الذي تفعله الوزارة حاليا مع هؤلاء المنتحلين لصفة معلم، وهل يمكن أن يقوم أي شخص بفتح عيادة طبيب دون الحصول على رخصة وتأهيل لذلك؟».

وكشف عن أن مشروع القانون الجديد لم يعرض على النقابة لأخذ رأيها، رغم مواد الدستور التي تدعو لذلك، معربا عن أمله في أن يتدارك مجلس النواب هذا القصور، وأن تطلب لجنة التعليم عرضه على النقابة أولا قبل تمريره من أجل تحقيق المصلحة العامة.

وعن تصرف النقابة حال صدور القانون دون العرض عليها، قال وكيل نقابة المهن التعليمية: «سنتخذ مواقف علنية واضحة، وسنرسل رأينا فيه إلى مجلس النواب ولجنة التعليم، ومع أن القانون لا يمنحنا حق اللجوء للقضاء كنقابة للاعتراض عليه، إلا أنه يمنح كل معلم ذلك الحق وهو ما سندعو إليه».

2- أولياء أمور: منعها يزيد معاناتنا.. والحل في إصلاح المدارس وتقليل كثافة الفصول

دعت منى أبو غالي، مؤسس ائتلاف «تحيا مصر بالتعليم»، إلى إيجاد بديل مناسب للطلاب، قبل تجريم ومنع الدروس الخصوصية، بداية من المادة العلمية والمعلمين المؤهلين، والشرح الجيد، مع تقليل كثافة الطلاب داخل الفصول بما يضمن لكل طالب الفهم الجيد والاستفسار عن ما يجهله أثناء الحصة الدراسية.

وطالبت الوزارة بالعمل على تقنين أعمال السنة إلى أقل درجة، حتى لا يصبح المعلم المخالف متحكما في تحديد مصير الطالب، مضيفة: «رغم وجود العديد من المعلمين الملتزمين داخل الفصول، ممن لا يجبرون طلابهم علي الدروس الخصوصية، هناك آخرون يتحكمون في الطلاب عن طريق أعمال السنة».

ورأت أن قصر الدروس الخصوصية على المراكز المرخصة والمعلمين المصرح لهم، لا يعني على أرض الواقع سوى زيادة الأعباء على عاتق أولياء الأمور، موضحة: «لو حدث ذلك سيعني أن الوزارة لا تهتم سوى بزيادة دخلها فقط، لأن المراكز ستوافق على دفع تكاليف الترخيص مقابل تصريح العمل، لكنها سترفع في المقابل أسعار الدروس في جميع المواد لتعويض التكاليف».

واتفقت عبير أحمد، مؤسس اتحاد «أمهات مصر للنهوض بالتعليم»، بقولها إن الوزارة مطالبة باتخاذ مجموعة من الإجراءات في المدارس، بالتوازي مع مشروع قانون تجريم الدروس الخصوصية، وقصرها على المراكز المرخصة.

وأوضحت: «لابد أولا  إعادة دور المدرسة والمعلم في الفصل، بما يضمن قيام المعلم بشرح المنهج كاملاً وبطريقة سلسلة وافية بنفس الطريقة التي يشرح بها داخل السناتر ومراكز الدروس الخصوصية، مع توفير راتب كافي يحقق للمعلم الحياة الكريمة حتي لا يضطر للدروس»، مضيفة: «زيادة دخل المعلم وضبط الفصول والمناهج المناسبة يجب أن يأتي أولا، ثم يعقبه تجريم الدروس، ما يقضي تماما على هذه الظاهرة».

واعتبرت أن مشروع القانون يبقي الوضع كما هو عليه، خاصة أن مواد تحجيم «السناتر» وتجريمها لا تسري على الدورس داخل المنازل الخاصة، التي سيلجأ إليها المعلمون والطلاب هربا من القانون. 

وعلي صفحة «اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم» على موقع «فيس بوك»، دعا أولياء أمور إلى مراجعة ترتيب الأولويات داخل الوزارة، معتبرين أن تجريم المراكز لن يكون حلا ولن يقضي على الظاهرة.

وقال أحد أولياء الأمور على الصفحة: «لما يكون فيه تدريس صح في المدارس ممكن ساعتها نلغي الدروس الخصوصية، وبعدين ولى الأمر هو اللي بيختار مدرس الدرس لأولاده بكامل إرادته وماحدش بيغصب عليه وده مافيش فيه مخالفة ولكن هدفه هو مصلحة الأولاد».

وكتبت سيدة أخرى: «اوجدوا البديل للطلاب والمدرسين أولا، وبعدين جرموا الدروس الخصوصية»، داعية إلى «معالجة المرض أولا قبل محاولة القضاء الظاهرة»، موضحة: «أولياء الأمور مجبرين علي الدروس الخصوصية لأنهم بيعتبروها مسكن لمرض مشكلات المدارس، ولما نعالج المرض المشكلة هاتتحل لوحدها».

وطالبت ثالثة بحصص تقوية بعد المدرسة على أن تكون بسعر رمزي، معتبرة أن ذلك سيؤدي بالتدريج إلى القضاء على الدروس الخصوصية، خاصة إذا ترافق معها تحفيز مادي للمعلين مع رفع رواتبهم بشكل يسمح لهم بمزيد من الالتزام والإخلاص في العمل.

3- معلمون عن «مجموعات التقوية»: شاركنا فيها فكوفئنا بعدم الحصول على المستحقات

فيما يتعلق بمقترح التوسع في «مجموعات التقوية داخل المدارس» لمواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية، قال معلم بإحدى مدارس الجيزة، إنه تعاون مع الوزارة في تقديم هذه المجموعات بالمدرسة العام الدراسي الماضي، لكنه لمك يحصل على مستحقاته المتأخرة بشأنها عن يونيو 2018 حتى الآن،  رغم ورودها من الإدارة التعليمية.

وأَضاف المدرس –الذي طلب عدم نشر اسمه-: «جميع المعلمين في الجيزة لم يحصلوا حتى الآن على مستحقاتهم عن شهر يونيو الماضي، ما دعا كثيرين منا للعودة إلى الدروس الخصوصية، لأن الوزارة لا تمنحنا حقوقنا، وكلما سألنا عنها تتهرب منا كل جهة وتقول: (مش عندنا)».

وتابع: «المعلمون طرقوا جميع الأبواب، وتقدموا بعدة شكاوى لمديري الإدارات التعليمية للحصول علي مستحقاتهم، فكان الرد الصادم: (الموضوع ده مش عندنا.. ده عند المالية)».

وفي محاولة منه لحل الأزمة عبر صفحات «الدستور»، دعا الدكتور خالد حجازي، مدير مديرية التربية والتعليم بالجيزة، المعلمين المتظلمين إلى التقدم بطلب كتابي رسمي إلى مكتبه شخصيا، واعدا باتخاذ اللازم من أجل حل المسألة في أسرع وقت. 

وتعليقا على الأمر، قال الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث، إن مقترح التوسع في مجموعات التقوية في مواجهة الدروس الخصوصية يعني أن الوزارة لم تقدم أي حل، ولا تملك أي جديد، معتبرا أن هذه المجموعات لن تختلف في أي شيء عن الحصة المدرسية، التي لم يقبل عليها الطلاب من الأساس.

وطالب الوزارة بالعمل على تحويل العملية التعليمية لصيغة أكثر متعة ونجاحا داخل الفصل بما يجعل الطالب يشعر بتوافر ما يحتاجه في المدرسة دون الحاجة للدروس الخارجية سواء كانت خصوصية أو مجموعة تقوية.

وأضاف: «إصلاح التعليم لن يأتي إلا بعد وجود معلم يشعر بالرضى عن مهنته ونفسه ويحصل على أجر يسمح له بحياة كريمة، بجانب تطوير المناهج وطرق التدريس ونظم الامتحانات بما يقيس القدرات العقلية لا الحفظ والتلقين».

من جانبها، قالت شيماء علي ماهر، مدير صفحة «نبني بلادنا.. بتعليم ولادنا» على «فيس بوك» إن مجموعات التقوية بالمدارس قد تكون بديلا ممتازا عن الدروس الخصوصية رغم تراجعها في السنوات الأخيرة، معتبرة هذا التراجع يعود إلى انخفاض عوائدها على المعلم مقابل الجهد الذي يبذله، ما يجعله يفضل التدريس في مراكز الدروس الخصوصية لتحقيق عوائد أفضل.

وأضافت: «لو أتاحت الوزارة أماكن مخصصة لمجموعات التقوية بعيدا عن رتابة الفصول، واستغلت في ذلك قاعات المدرسة ومسرحها، فيمكن لذلك أن يقضي على جاذبية السناتر ويجعل العملية التعليمية أكثر متعة للطلاب، وأكثر أمنا لأولياء الأمور».

واقترحت تخصيص 10% من الحضور في كل مجموعة للطلاب غير القادرين، داعية إلى مراجعة سعر مجموعات التقوية بما يجعلها مناسبة أكثر للمعلمين، على أن تكون في الوقت نفسه أقل تكلفة على أولياء الأمور، بما يحقق البديل المريح لكل الأطراف.

من جانبها، رأت منى أبو غالي، مؤسس «ائتلاف تحيا مصر بالتعليم»، إن مجموعات التقوية المدرسية ليست أكثر من «سبوبة» لبعض المدارس، معتبرة أن الطلاب لا يحققون أي استفادة منها، موضحة: «تتسم بقصر مدة الدرس وتوقيتها الذي يكون عادة عقب انتهاء اليوم الدراسي، مع ضياع الوقت في إمضاء المعلم وإثبات حضور وانصراف الطلاب، ما يجعلها غير مفيدة».

وأضافت: «يعلم الجميع أن الفائدة الوحيدة التي تعود على الطالب من هذه المجموعات هي حصوله على درجات أعمال السنة من معلمه في المجموعة».

وأشارت إلى أن بعض المدارس تجبر المعلمين على العمل في المجموعات المدرسية والالتزام بتوريد مبالغ مالية معينة بغض النظر عن عدد الطلاب الحاضرين، لضمان الحفاظ على الشكل العام للمدرسة وإثباتا لجديتها في تنفيذ قرارات الوزارة.

واختتمت: «هناك معلمون يوردون هذه المبالغ لإدارة المدرسة حتى لا يتعرضون للمشكلات، في الوقت الذي تسمح لهم فيه الإدارة بممارسة الدورس الخصوصية سواء داخل المدرسة أو خارجها، في شكل مصلحة متبادلة، بغض النظر عن مصلحة الطالب نفسه».