الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أزهر

مفتي الجمهورية: يجب غلق الباب أمام دعاة الفتنة

كشكول

قال  الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الأمم إنما تُبنى بسواعد الشباب؛ ذلك لأن الشباب هم عماد أي أمة من الأمم وسر نهضتها وبناة حضارتها وهم حماة الأوطان والمدافعون عن حياضها؛ موضحًا أن مرحلة الشباب هي مرحلة الطاقة والحيوية المتدفقة والعطاء.


جاء ذلك خلال محاضرة فضيلة المفتي لطلاب جامعة بنها، بحضور أ. د. جمال سوسة رئيس جامعة بنها، واللواء عبد الحميد الهجان محافظ القليوبية، والتي تحدث فيها عن قضية الوعي، ودور الشباب في بناء المجتمعات، مشيرًا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم اهتمَّ بالشباب اهتمامًا كبيرًا؛ فقد كانوا أكثر فئة وقفت بجانبه في بداية الدعوة فأيدوه ونصروه ونشروا دعوة الإسلام وتحملوا في سبيل ذلك المشاق والأهوال.
كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يثق بالشباب ويعتمد عليهم في أداء المهمات الثقال، ومن دلائل احترامه لهم أنه كان يمر بالصبية يلعبون فيُسلِّم عليهم، ويلاحظ الغلام يسيء الأدب عند الطعام فيُرشده إلى آدابه، أو لا يُحسِن أحدهم أن يصلي فيأخذ بيده، وكان يشجعهم في رياضتهم.
وأضاف فضيلته: حث الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على أن يكونوا أقوياء في العقيدة، أقوياء في البنيان، أقوياء في العمل، حيث قال: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ"؛ غير أنه عليه الصلاة والسلام نبَّه أن القوة ليست بقوة البنيان فقط ولكنها قوة السيطرة على النفس والتحكم في طبائعها، فقال: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"، وبهذا عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على إعداد الشباب وبناء شخصيتهم القوية؛ ليكون الشباب مهيَّئًا لحمل الرسالة، وأقدر على تحمل المسئولية، وأكثر التزامًا بمبادئ الإسلام.


كما تطرقت كلمة فضيلة المفتي إلى أهمية بناء الوعي، موضحًا فضيلته أن أول طريق الحفاظ على الشباب هو الالتفات إلى أهمية تنمية الوعى لديهم؛ ذلك لأن مفهوم الوعي في حقيقته يدور حولَ الإدراكِ الدقيق والحقيقي؛ إدراكِ الذات، وإدراكِ المتغيرات التي تُحيط بالإنسان، والوعي بهذا المفهوم هو صفةٌ إسلاميةٌ أصيلة وعامة؛ ذلك أن الشريعة الإسلامية قد أَسَّست للوعي بمفهومه الشامل، فبيَّنت حقيقة الذات البشرية، والكون المحيط، وعلاقة الإنسان بذلك الكون، مشددًا على أن تزييف الوعي وتضليل العقل أخطر على الشباب من جميع مُغيِّبات العقل ومُذهِبَات الفهم كالمخدرات وغيرها، فغياب الوعي من أكبر الأخطار المهددة لهم؛ وهذا هو ما يعلمه أعداء الأمة وأعداء البشرية من حماة التطرف والإرهاب فيستخدمونهم بابًا لتسريب أفكارهم ومِعوَلًا لهدم أساس الأمة وبنائها.
وأكَّد فضيلة المفتي أن قضية الوعي هي قضية علم في الأساس ويتَّضح ذلك من قصَّة خلق آدم فهي تربط بين خلافة آدم في الأرض وبين العلم، موضحًا أن الشباب هو القوة الدافعة والمستقبلية لأن نسبة الشباب في مصر تزيد عن ٤٠٪؜، لذا يجب أن نضع البرامج لهؤلاء الشباب حتى يكون لديهم وعي وإدراك صحيح يؤهلهم ليكونوا قادة المستقبل.
كما أوضح أن التحديات التي تواجه الشباب كثيرة، ومن أهمها قضية الخطاب الديني؛ ذلك لأنَّ الجماعات المتطرفة استغلَّت الدين وجعلته مطية لأغراض سياسية، مشيرًا إلى أن الأزهر على مدار تاريخه قد تبرأ من هذا المسلك، ومن ثم يجب الحذر من التدين الشكلي الذي يهتم بالقشور ولا يهتم بالجذور، لأن جماعة الإخوان الإرهابية تبنَّت فكر الخوارج واستغلَّت الدين للوصول إلى أغراض سياسية، ولا شك أن استغلال الدين للوصول إلى أغراض سياسية محكوم عليه بالفشل.
وشدَّد مفتي الجمهورية على التحذير من انسياق الشباب للوعي الزائف؛ لأن الفكر المتطرف لم يقدم شيئًا للبشرية سوى الدمار والخراب والاستغلال السيئ للدين، كما نبَّه إلى استغلال الجماعات المتطرفة لوسائل التواصل الاجتماعي استغلالًا سيئًا، مطالبًا بضرورة اللجوء للمتخصصين كلٍّ في مجاله، وهذا أحد أهم محاور الوعي الصحيح، كما أكَّد على قيمة مصر الكبيرة، وكيف أن الكل حريص على الالتفاف حول مصر، ولدينا أكثر من ١٢٠ دولة ترسل أبناءها للدراسة في الأزهر الشريف، موضحًا أن الاعتزاز بمصر هو أحد أهم محاور الوعي الصحيح، ومن ثم نحن ندين كل فكر منحرف لا يريد الخير للدين والوطن.
واستطرد فضيلة المفتي في الحديث عن أهمية بناء الوعي موضحًا كيفية بناء الوعي عند الشباب، وأن الوعي نوعان: وعي صحيح ووعي زائف؛ مشيرًا إلى أنه من هنا يجب علينا أن نبين أمرين، وهما: زيف الأفكار والمعتقدات الهدامة من جهة، ونقيم الوعي الصحيح البنَّاء في مقابلة الوعي غير البنَّاء من جهة أخرى، مؤكدًا أن تنمية الوعي لا يقف عند حدود الفكر فقط وإنما يمتد إلى الأخطار التي تُهدد الشباب في صحتهم وفي انتمائهم، وعلينا جميعًا العمل على زيادة الوعي ومراقبة الشباب وتحصينهم من تلك الأفكار لكونهم صيدًا ثمينًا للجماعات المتطرفة.
في سياق ذي شأن، أكَّد فضيلة المفتي أن الأسرة المصرية، يقع على عاتقها أولًا، ثم مؤسسات الدولة المعنية بأمور النشْء والشباب ثانيًا واجبُ الحفاظ على الشباب من سائر هذه المخاطر؛ ويبدأ ذلك بتنشئة الأجيال داخل الأسرة تنشئة سليمة وقيام المدرسة بدَورها، كما أنَّه لمؤسسات الدولة دورٌ مهمٌّ في الحفاظ على الشباب بأن تتكاتف لصدِّ هجمة التطرف والإرهاب الشرسة التي تحاول استقطاب الشباب، كما على المؤسسات الدينية عبء كبير في احتواء الشباب ووضعهم على الطريق الصحيح وترسيخ مفاهيم وسطية الإسلام واعتداله، ومراجعة ما يُنشَر ويُبَث من مواد دينية بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك في جانب تحصين الشباب، موضحًا أنَّ من أسباب الوقاية تنمية روح الانتماء في قلب الشباب وتوعيتهم بأهمية الوطن وتفعيل دَورهم في بنائه وتعميره.

وشدَّد فضيلة المفتي في محاضرته على خطورة الانتقاص من أهل الاختصاص والتطاول على علماء الأمة؛ رغم أن الشريعة الإسلامية تضبط الكلام في الدين ومجال الفتوى، وترد أمور الشريعة لأهل الاختصاص. يقول الله عز وجل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:43]، وكذلك نبَّه إلى خطورة الانتقاص من قيمة الوطن واعتبار محبة الأوطان شركًا والتعاون مع مؤسسات الدولة والعمل بها كفرًا، مع أن شريعة الإسلام ترشدنا إلى أن حب الوطن من الإيمان، وتبين لنا أن الانتماء الوطني أمر فطري وواجب شرعي، وتوضح لنا أن قوة الوطن قوة للدين.
في إطار متَّصل أكَّد فضيلة المفتي على دَور الشباب في مواجهة أدعياء العلم، وضرورة التثبُّت في ظلِّ الموجة الهادرة من أدعياء العلم في كل مكان، فيجب التثبت وأخذ العلم من منبعه الصافي ولا نأخذ الفتوى إلا من أهل الاختصاص. وكذلك ينبغي تتبُّع المنهج الشرعي الصحيح المأخوذ عن العلماء، وهذا المنهج هو ما عبر عنه ابن عباس حين قال للخوارج: «جئتكم من عند أمير المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فأخبر أنه جاءهم من عند الصحابة، الوارثين العلم عن النبي الكريم، وورَّثوه للتابعين وتابعيهم حتى وصل إلى الأزهر الشريف؛ ذلك المنهج الصحيح الذي يربط بين الشكل والمضمون بوضوح تام، ولا يفصل بحال بينهما.
كما أكَّد على ضرورة تعظيم قدر العلماء وتوقيرهم، موضحًا أن الشرع الكريم حضَّ على توقير أهل العلم؛ إذ بالعلماء يظهر العلم، ويُرفع الجهل، وتُزال الشبهة، وتُصان الشريعة. وقد روى الترمذي وأحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منَّا من لم يجلَّ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرنا، ويعرفْ لعالمنا حقَّه».
كذلك دعا إلى أهمية نبذ التشدد والغلو؛ حيث تميزت الأمة الإسلامية دون سائر الأمم بالوسطية، والتي تعني التوسط والاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط، مؤكدًا أن المتطرفين سلكوا مسلك التشدد وركبوا مركب التعصب باسم التمسك بالسنة المطهرة، لكن نصوص السنة واضحة وقطعية في نبذ التشدد والغلو، وكذلك ينبغي عدم الانفصام بين العبادة والأخلاق؛ فإن التعامل مع الآخرين هو محكُّ التَّديُّنِ الصحيح، وقد اشتُهر على الألسنة أن الدينَ المعاملةُ، والمقصود بالمعاملة الأخلاق، وفي التدين الحقيقي لا فصل بين الإيمان والأخلاق والعمل، ويؤصل لهذا المعنى حديث جبريل عليه السلام المشهور، حين سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقد بيَّن هذا الحديث الشريف أن الإسلام: شعائر وعقائد وأخلاق. والأخلاق هي مرتبة الإحسان.
وعن ضرورة مواجهة التحديات، أكَّد فضيلة المفتي في كلمته أن الدولة تواجه تحديات جمَّة منها المؤامرات والحروب التي أخذت أشكالًا جديدة هي حروب الجيل الرابع والخامس، وأن العالم يواجه أيضًا تحديات كثيرة منها كوفيد-19 والتغير المناخي وندرة المياه وغير ذلك، ومن ثم فإن للشباب دورًا كبيرًا في مواجهة التحديات الوطنية وخاصة الاجتماعية؛ مثل: زيادة السكان والطلاق المتكرر والانتحار والتفلُّت في السوشيال ميديا وانتشار المخدرات وغير ذلك.
وشدَّد على دَور الشباب في هذا السياق وما ينبغي عليه فعله، مثل دعم الدولة في هذه المرحلة، وذلك بتطبيق تعاليم الدين من جهة وتعليمات القانون والدولة من جهة أخرى؛ وذلك لتحقيق أمن واستقرار المجتمع، هذا مع دعوة الغير إلى دعم الدولة والالتزام بما توجه الأفراد إليه نحو اتخاذ الإجراءات الاحترازية والحفاظ على مؤسسات الدولة من التخريب والإفساد، مما يحفظ على الدولة هيبتها ويؤدي إلى استقرارها، وكذلك الحفاظ على استقرار الوطن، فالمسلم الحق هو الذي يحب وطنه ويعمل جاهدًا على دعم مقومات الدولة والحفاظ على مؤسساتها؛ لأن في ذلك حفاظًا على شعائر الدين ورعايةً لمصالح الخلق وانضباطًا لحياتهم، وهذا من الإصلاح الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف 142]. فالمتدين بحق هو أبعد الناس عن معاني الإفساد في الأرض، إلى جانب المشاركة الإيجابية، فيجب المساعدة على حل المشكلات بالمشاركة الإيجابية في المجتمع؛ والمسلم الحق هو الذي لا يعيش كلًّا على أحد يسعى لعمله كما يسعى إلى صلاته، يصلح بين المتخاصمين، ويجود بماله ووقته من أجل الآخرين، ويحارب الفساد، ويتصدى للمنكرات، ويتعاون مع أفراد المجتمع من أجل رقيه والنهوض به امتثالًا لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
وفى ختام محاضرته نبه فضيلة مفتي الجمهورية، إلى ضرورة درء الفتنة، كما يجب غلق الباب أمام دعاة الفتنة وذلك بتقبُّل الآخر والتعايش معه بالتسامح والمحبة؛ لأن الإسلام يقرر أن الناس كلهم من أصل واحد، وأنهم خُلقوا كلهم من نفس واحدة، وأنهم جُعلوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، والمتدين تدينًا صحيحًا هو الذي يؤمن بأن البشر جميعًا تجمعهم رابطة الأخوة الإنسانية، فهو يقبل الطرف الآخر ولا يُقصيه؛ لأن الإسلام أكد على وحدة البشرية وإن تعددت شرائعهم، ومن هنا ينبغي احترام الأديان والمقدسات؛ لأن الإسلام يدعو الى احترام الأديان، كما يحرِّم الاعتداء على دور العبادة الخاصة بالمسلمين وغيرهم، ويدعو إلى تقبل التعددية العقدية؛ موضحًا أن الناس لن تجتمع على دين واحد؛ لأن الاختلاف سنة الله في هذا الكون؛ قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة}.
وعلى صعيد آخر لفت فضيلة المفتي النظر إلى أن دار الإفتاء المصرية قد أولت اهتمام كبيرًا بالأسرة المصرية واستقرارها وأهميتها في بناء المجتمع واستقراره، موضحًا أن القرآن الكريم جعل الزواج ميثاقًا غليظًا، ولذلك أنشأت دار الإفتاء مركز الإرشاد الزواجي لحل المشكلات الزوجية من خلال متخصصين من علماء النفس والاجتماع والدين؛ وذلك حرصًا على إقرار مبدأ مساهمة الإفتاء في تنمية المجتمع وصيانته من كل التهديدات التي تواجهه وخاصة الأسرية منها.