الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

عميد "الدعوة بالأزهــــر": المواجهة الفكرية ليست جادة.. ..وعلماء بـ"شنطة وبحث واحد" يحضرون جميع المؤتمرات

جمال فاروق
جمال فاروق

دافع عن الأزهر وانتقد منهج الأوقاف وحذر من انقسام المؤسسات الدينية..

الدكتور جمال فاروق: مستقبل الدعوة مؤسف في ظـل معطيات الواقـع

.."باحثون بشنطة" يحضرون المؤتمرات الدينية ببحث علمي واحد

.. اتهام الأزهر بتخريج متطرفين دعوات خبيثة للنيل من مكانته في المجتمع

..قوائم علماء الفتوى في الإعلام تحجم الفتاوى الضالة رغم التحفظ على بعض أعضائها  

دفاعه عن الأزهر كان مفهوما، لكن هجومه على منهج وزارة الأوقاف في التصدي للفكـر المتطرف، وضع علامات استفهام عديدة جعلتنا بينما نواصل الحوار معه نبحث عن إجابات لما أثارته إجاباته نفسها من تساؤلات..في حواره معنا كشف الدكـتور جمال فاروق، عمـيد كلية الدعـوة بجامعة الأزهـر، عن الكثير، كلما أجاب على القليل، وألقى حجرا تلو الحجر في مياة آسنة، وهـو يؤكـد على ضعف المواجهة الفكرية للتكفيريين، معتبرا أن الأساليب الحالية غـير جادة ولا قيمة لها.. وعلى سبيل الحل الجذري دعا إلى مناظرة التكفيريين علنا عبر الفضائيات، محذرا من أن مستقبل الدعوة سيكون مؤسفا في ظل المعطيات الحالية، والتي اعتبرها "شكلية" مستشهدا بما يحدث في قضية تجديد الخطاب الديني؛ ومنتقدا المؤتمرات التي تنظمها المؤسسات الدينية في ظل وجود دائم لأشخاص بعينهم في كل المؤتمرات ببحث علمي واحد، فضلا عن إصرار الأوقاف على وأد ما وصفه بـ"إبداع الأئمة" عبر الخطبة الموحدة.. وإلى نص الحوار..

. •  كيف ترى دور مؤسسة الأزهـر في معالجة القضايا القضايا الدينية حاليا؟

الأزهـر فعليا يؤدي دورا كبيرا، سواء كان في الداخل أو الخارج، لكن يجب التعاون معه كمؤسسة، لأنَّه ليس وحده المسئول عن الشئون الدينية. وعلى جميع هيئات ومؤسسات الدولة أن تتعاون معه، وأن يُدرك الجميع دورهم في المسئولية انطلاقًا من الحديث النبوي الشريف "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". فالأزهر على عاتقه مسئولية كبرى ويجب التنسيق الكامل بين المؤسسات الدينية، حتى لا تضيع الجهود المبذولة، خصوصا أن العمل المنفـرد محدود التأثير، وليس هناك آليات لتنفيذه.

. •لكن هناك دعوات للنظر في كون الأزهـر وراء انتشار التطرف بالمجتمع؟

- هي دعوات خبيثة هدفها زعـزعة الاستقرار، وهـز مرجعية الأزهر وثقة الناس فيه، ولا نستبعد أن تكون هـذه الدعوات علمانية للنيل من مؤسسة الأزهر. لكن تلك نغمة قديمة تظهر بين الحين والآخر، لأن الكـل يُريد ألا يظهر بمظهر المخطئ أو المقصر فيرمي الأمر على الأزهر، علاوة على أنَّ مناهجه لم تخرج متطرفين، بل خرجت أدباء ومفكرين وعلماء وشعراء وفقهاء في كل المجالات، والأزهـر له تاريخ في الوسطية والسلمية.

. •  في تقديرك ما العوامل التي تؤدي إلى ظهور التطرف في المجتمع؟

 - أكبر عامل هو الجهـل بتعاليم الدين، والثاني إسناد الأمور إلى غير أهلها، وعـدم تأهيل الأشخاص. فيجب أنَّ يكون العالِم على مستوى مُعين ومُدرك للواقع، لكـن ذلك عكس ما نشهده الآن، فكثير من الناس الذين ينتسبون إلى العلم أو يتحدثون في الدعوة أو في الشأن العام غير مؤهلين وينطلقون من خلفيات قديمة، فلماذا نرى غـير متخصص في الشريعة أو الفقه يفتي!، ونرى غير المتخصص في الدعوة يتحدث في أمـور الدين!، في الواقع لا يجب ترك كل "من هب ودب" يتحدث في الشأن الديني  ولا ننسى أن البطالة تؤثر كثيرا في وجود التطرف. وفهناك من ليس لهم عمل فيشتغلون في الدين والدعـوة. في الواقـع أمور متراكمة كثيرة أدت إلى هذا الوضع، ولا أحد بعيد عن ذلك التقصير فكل مؤسسات الدولة مشتركة فيه.

. • وألا ترى أنه يوجد مواجهة فكرية حقيقة وجادة ضد الفكر التكفيري؟

- لا أرى أن المواجهة جادة، لأن الإعلام حتى عندما يُظهر ضيفين فإنهما يردان على بعضهما البعض، كأن أحدهما ضد الآخر، لكن أين الطرف المهم وهو الشخص التكفيري المقصود بالحوار. دائما نـبدو كأننا ندور في حلقة مفرغة، والمواجهة الفكرية الحقيقة لم تظهر بعد، فمثلًا أي مؤتمر يُعقد بصـرف النظـر عمن ينظمه، هل يأتي المنظم بأرباب ذلك الفكر الداعشي أو المتطرفين ويتم مواجهة حقيقية لهم؟ إذا هُـزم الإرهابي أو التكفيري فكريًّا أمام الجميع، ستظهر حقيقته هـو وحجته، فالمواجهة تؤدي لإقامة الحجـة؛ وبعد فضحه لن يبقى وراء المتطرف إلا كـل متاجر بالدين. لذلك تجـب المواجهة الفكـرية الحـقيقية مهما كـلفت، وليس أن نبقى في محـاورة مـع بعضنا البعض.

. • وكيف تكون المواجهة الفكرية الحقيقية في خطوات محددة؟

 أنْ يُدعى من يتبنون الفكر المنحرف، للمناظرة، فمثلًا بالنسبة للفكر الوهابي، هناك أناس لهم منهج وعلماء يتظاهرون أمام الناس بأنهم يخدمون الدين، رغم أن كل العنف والإرهاب والقتل جاء من وراء ذلك الفكر، لذا تجب المواجهة، وأيضا تكون من يتستر خلف الدين، مثل من يطلق عليهم الخلايا النائمة في جماعة الإخوان؛ يجب محاورتهم، لكن للأسف نجد كل الحوارات التي تتم تكون لصالح أمـور سياسية، رغم أنها يجب أن تكـون في أمور علمية.

. • هل المؤتمرات التي تنظمها المؤسسة الدينية تؤتي بثمارها؟

لا، إلَّا قليلا، فالشخصيات ذاتها هم الضيوف في جميع المؤتمرات. وكأن هناك أشخاصا مُخصصين للمؤتمرات فقط، وقد نجد بعضهم يستخدمون بحث علمي واحد يعرضونه في كل المؤتمرات، "زي الخطيب اللي عنده خطبة واحدة ويلف بيها على كل المساجد"، فالمؤتمرات ليست معالجة لقضايا حقيقة إنما تستهدف أغراضا أخرى، حتى لا يتعرض منظمو المؤتمر لاتهامات بالتقصير.

• وبصفتك عميدًا لكلية الدعوة.. كيف ترى المفاهيم المغلوطة المنتشرة في المجتمع؟

الجهاد، والجزية، والدولة الإسلامية، والخلافة وتطبيق الشريعة؛ وغيرها من المفاهيم المنتشرة على الساحة لها مفاهيم خاطئة منتشرة، ووزارة الأوقاف في الفترة الأخيرة، أصدرت كتابًا عن تصحيح المفاهيم، لكن هل وصل الكتاب إلى البلاد الأخرى أو وقع في أيدي الشباب، وتمت حوارات عليه!!، لم يحدث ذلك. وكان يجب أن يوزع لمعالجة فكرية واضحة، حتى يُغيِّر شيئا من واقـع الشباب.

 • وكيف يتم تصحيحها؟

- بتشكيل فرق مختلفة فكريًّا عن ذلك الواقع المؤلم، وبعدها يتم مناظرات علنية، تدار بحكمة، ففي تلك الحالة تؤتي بثمارها، حتى يكون بها ثراء فكريا وعلميا قويا، إنَّما الآن، المشهد يعتمد على إحضار شخص ضعيف أو غـير مُتخصص ممثلًا عـن الفكر الديني السليم، مـع شخـص مخـضرم في الجانب الآخـر ممثلًا للجانب المتطرف، حتى يتم إثبات عكس الحقيقة، ويظهر صاحب الفكرة الصحيحة وأدلته، والعجيب في الأمر أن الأزهر ليس عقيمًا، وبه علماء يستطيعون مواجهة هؤلاء من اصحاب الفكر المتطرف.

 • ومـاذا عـن وضـع الدعـوة في الوقت الحالي؟

- الدعوة الآن أغلبها أمور شكلية، مثلما يحدث مـع قضية تجديد الخطاب الديني، فهي تحتاج إلى نهضة كبيرة وإعادة النظر إلى المفاهيم المغلوطة أولا، والبحث في القضايا التي تستحق أن نتحدث فيها، إضافة إلى ضمان وجـود حـرية في التحدث في القضايا المهمة، وألَّا يكون هناك خطبة مُحدَّدة أو مكـتوبة تملى على الائمة، مـع ضرورة ترك الإمام أو الخطيب أو الداعية الذي لديه خبرة بالواقع، ليخوض التجربة، وإن أخطأ يتم توجيهه مرات متعددة، ثم تتم محاسبته بعد ذلك.  لكن تلقين الإمام والخطبة المكتوبة تقتل المواهب والتفكير وتحوله إلى مجرد آلة، خصوصا أنَّ هناك ما يسمى فن مشافهة الجماهير حيث يتضمن كيفية إقناع الناس وحل مشاكلهم. ومن يتم تلقينه لن ينجح أبدًا، والآن عند تقييم الإمام الذي يلقي خطبة مكتوبة، يكون التقييم في أساسه تقييمًا لمن كتب الخطبة وليس لمُلقيها، لأن الخطبة ما زالت مكتوبة وكل ما في الأمر أن الإمام يُمسك الورقة. لكن العنوان والأفكار كما هي وليست خاصة به، بل تحددها الوزارة له.

 • وماذا عن مستقبل الدعوة في ظل المعطيات التي تحدثت عنها؟

-  يجب تغيير تلك المعطيات والأطـر أولا، مع وضع رؤية جديدة حتى يكون مستقبل الدعوة مشرقا ونافعا. لكن إذا واصلنا السير في ظل هذه المعطيات فلن نصل إلى شيء وسنزداد ضعفا على ضعف، وستتراكم الأمور، وينتشر الإرهاب والتطرف أكثر مما هو عليه الآن.

 • وكيف ترى وضع الأئمة في الوقت الحالي؟

 - وضعهم صعب. لديهم مطالب كثيرة، ويحتاجون لتحسين معيشي والارتقاء بمستواهم العلمي، وكذلك يحتاجون إلى دورات علمية جادة، فهم شريحة مهمة في المجتمع ويتم على أيدهم التنوير والتجديد والتصحيح. يجب التأكد من مواهبالإمام وصلاحيته للقيام بمهمته، ولا يكفي اختياره وفق امتحان ومسابقة فقط. فدور الإمام في المجتمع مهم جـدًا لأن الحـاكم والمحكوم والمثقف وكل الفئات يؤدون صلاتهم خلفه، لذا لابد أن تكون ثقافته عالية، حتى يغطي جميع الشرائح التي تصلي خلفه. قديما كان الخطيب موسوعة في اللغة والثقافة العامة والشأن السياسي والاجتماعي، إنما الآن نجد بين المصلين من لديه ثقافة أعلى من الإمام، ومن الأئمة من ليس لديه مكتبة أو تأهيل صحيح، فكيف ينتجون بعد قتلهم ماديًّا ومعنويًّا!

 • وماذا عن اهتمام الأزهر بسيناء؟

 - لا بد من وجود فعلي وقوي في تلك المناطق، وليس إرسال أشخاص وتنظيم ندوات فقط. يجب أن يكون هناك فاعليات ثابتة. صحيح أن الناحية الأمنية صعبة، وهناك من يذهبون إلى جنوب سيناء وليس الشمال، هربًا من الأحداث الإرهابية في العريش، لكـن أيضا من يذهبون هم مضطرون ويحاولون الهروب من هناك بأي شكل لعدم استقرار الأمن. ويجب أن نعد لسيناء كوادر من أبنائها لتصحيح أفكارهم وتحصينهم من المتطرفين. خصوصا أنه عند حدوث أي أزمة نردد كلاما فقط، وبعدها تموت الأمور، ولا يظهر ذلك الكلام إلا عندما تكون مشكلة أو يلوم الرئيس القائمين على المؤسسة الدينية أو يستنكر الوضع أو ينفعل.

• وماذا عـن الفتاوى الضالة وانتشارها عبر أصوات معينة دون سياق مفهوم؟

 بالفعل، كان من اللافت أنه كلما حدث شيء من الاستقرار في المجتمع، ظهرت قضايا تثير البلبلة على المستوى الفكري، لكن ما حـدث مؤخرًا من تحديد بعض الشخصيات للتصدي لمسألة الفتوى في الإعلام، عبر قوائم العلماء المؤهلين سيعمل على ضبط انتشار الفتاوى الضالة عـبر الفضائيات، وهي خطوة مهمة بصرف النظـر عـن وجود ملاحظات على بعض الأشخاص في هـذه القوائم.

 •وهل التحفظ على هؤلاء الأشخاص له علاقة بالتطرف؟

-  المسألة ليست في أشخاص، إنَّما الأمـر في كيفية تصور الناس لكلام العلماء والأئمة، أو حتى كلام الحق سبحانه وتعالى، أحيانًا يتم فهمه خطأ، وهناك من لديهم تصورا خاطئا للدين كله. وهناك مـن لديهم مجـرد معلومات وليس قواعد العلم، فمن ليس له قواعد علمية يُخطئ، وأحيانًا نراجع كتب نجد أن الكلام صحيح لكن في السياق الذي قيل فيه، والمتطرف هو مـن يجتزأ الكلام من سياقه ويعممه، كمن يقول "فويل للمصلين"، أو "لا تقربوا الصلاة" دون استكمال الآية القرآنية.