السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
جامعات

"سيارتي والتحول الرقمي".. عفوًا صلاح النوايا لا يكفي!

هاني أبو العلا أستاذ
هاني أبو العلا أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة الفيوم

كتب: هاني أبو العلا أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة الفيوم

لا شك أن قيام الحضارات لم يكن عشوائيًا، إنما كان تفاعلاً بين الإنسان والمكان، فلم تقم حضارت النيل والفرات والجانج وغيرها إلا بجد واجتهاد ساكني تلك الأودية الخصيبة، الذين استطاعوا إخضاع المكان لابتكاراتهم وجهدهم الجهيد، وطوعوها بأدواتهم، التي كانت بمثابة تكنولوجيات عصورهم.

تلك الأدوات البسيطة، التي مازال العالم كله يعجب لها بمشاهدتها في المتاحف، وقد برعوا في استخدامها وطوروها وفقاً لهدف قد تم صياغته بعناية، فنجحوا، بل! أبهروا العالم وسيظلون يبهرونه بحضاراتهم العظيمة.

والثابت في الأمر هو أن الانسان والمكان والأداة "التكنولوجيا" هم ثالوث قيام الحضارات، كما أنه لا شك من حتمية التوافق بين ثلاثتهم حتى يتحقق الإبداع.

وحتى تتضح الفكرة لدي القارئ الكريم أذهب به لقصة قصيرة فيها معاناة و رجاء وإجابة ثم عودة للمعاناة واستفسارات عدة.

تبدأ المعاناة ممن يسكنون الريف المصري، الذي كان جميلاً في الشتاء العاصف، بالرغم من صعوبة السير في الشوارع غير المرصوفة، هي ذاتها التي أصبح السير فيها أصعب بعدما تم رصفها وتطوريها بمد خطوط الصرف "اللاصحي" دون تطوير لعقلية و أذهان السيدة الريفية، التي ما إن جاء المطر إلا ووجدت الفرصة سانحة لإلقاء ما استطاعت من المياة المتخلفة عن تنظيف الحظائر في تلك الشوارع، لتعجز بالوعات الصرف عن استيعابها، ويعجز القار عن امتصاصها، ويصير "الطين بله".

وكان رجاء المواطن البسيط هو أن يجد حلاً لباب جراج سيارته، الذي يضنيه تنمره وعصلجته في ليالٍ مطراء، وإذا بالاستجابة في إعلان عن محرك بتكنولوجيا بسيطة لفتح الباب و إغلاقه آليا، بسعر يناسب هذا المواطن، الذي اشتراه و ركبه و ظن أن المشكلة قد تم حلها نهائياً.

وتحدث المفاجأة في يومٍ مطير، لينقطع التيار الكهربائي ويضطر المواطن لفتح الباب يدويًا، وعودة للمعاناة يستدعي كل أهل بيته للمساعدة في تلك المهمة التي تضاعفت صعوبتها وسط هذه الميكانيكا الأكثر تعقيدًا وسحقًا لتلك التكنولوجيا التي لم يُعد لها حساباتها على الشكل المطلوب،  فلم يشغل بالهم أبداً التفكير فيها ظنناً منهم بالانفراجة التي لن تنقطع.

وعودة للموضوع نتساءل عن سر المشكلة!، هل هي التكنولوجيا "الأداة"؟، أم المواطن وأهل بيته "الإنسان"؟ أم الباب نفسه "المكان"؟.

ولنا في أصحاب الحضارات عبرة تجعل الإجابة واضحة لمن أراد، وهنا يحضرني كلمات الراحل القدير نجيب الريحاني في فيلم أبو حلموس "الشئ لزوم الشئ"، وإن كان قد قالها ساخرًا، أرى فيها الحل الناجز للإخفاق في تطوير تطبيق التكنولوجيا اليوم، فحتى يتحقق الشئ لابد أن يلزمه ويصاحبه أشياء أخرى.

فإن كان هناك علاقة بين الذكاء و التحول الرقمي، إلا إنهما ليسا مترادفان، فالتكنولوجيا الرقمية "الآلة" تحتاج لما يلازمها من توعية وتثقيف ونقاشات واقناع للفئة المستهدفة من مستخدميها ومشغليها والقائمين عليها والمنتفعين من عدم تطبيقها "السكان"، حتى لا يكونون معوقاً أساسياً في إنجاحها، كما تحتاج للتعديل والبناء والضبط للبيئة التي يتم التطبيق خلالها "المكان".

هي فقط فكرتي المتواضعة حتى نكون قد جهزنا "الشيء"، الذي هو لزوم الشيء، عفواً فليس التطوير بصلاح النوايا فقط.