الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
جامعات

نور البصيرة.. "حسين" أول كفيف بإعلام "إنجلش" يحفظ القرآن ويتعلم التصوير والمونتاج

كشكول

كعادته في أيام الامتحان يذهب "حسين" للمكتبة المركزية بجامعة القاهرة، فور دخوله من الباب يبتسم له الجميع يصعد درجات السلم وصولاً إلى قاعة طه حسين، المخصصة لتأديه امتحانات الطلاب المكفوفين بالجامعة، يطرق الباب بطريقة مميزة يعرفه بها العاملين بالداخل، يدخل صاحب الروح الساخرة التي تبعث البهجة في كل من يراه، وابتسامة تخفي خلفها رضا، ومثابرة وحب للتعلم يندهش منه الجميع ليؤدي امتحانه، بعد إلقاء بعض النكات مع العاملين بالقاعة الذين يعرفهم جميعًا. 

أول طالب كفيف بشعبة إعلام الإنجليزية وقصته مع القرآن
حسين مصطفى، الطالب بالفرقة الثانية بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أول طالب كفيف يلتحق بالشعبة الإنجليزية، رفضت أسرته الصورة التقليدية الذي يرسمها المجتمع للشخص الكفيف، أن يحفظ القرآن ويصبح أحد الشيوخ بالمسجد، وقررت تحمل كل المشاق ليكون متفوق في المجال الذي يحبه، فانتقلوا من مسكنهم بالمرج ليكونوا قريبين من مدرسته بحي الزيتون، وعندما بلغ سن الـ٧ من عمره دخل معهد القراءات وعلوم القرآن نظام الـ٥ سنوات، المخصص للكبار بجوار دراسته العادية، اكتشفت أسرته ذكائه الشديد فقرروا عمل اختبار ذكاء لتقيمه فحصل على ١٤١درجة أي فوق الممتاز ب ٢٠ درجة.

 "الكلية مش قادرة تقتنع إني ممكن امتحن في المدرج عادي، عشان كفيف بيخلوني امتحن هنا بيقولولي عشان محتاج تجهيزات خاصة، الموضوع كله فلاشة عليها البرنامج اللي هحطه على جهاز الكمبيوتر وخلاص"،  يرفض حسين أن يخضع للظروف أو المعوقات التي تمنعه من التفوق والتعلم، ليكون نموذج للنجاح والتفوق فلم يكتفى بأنه الأول في مراحل التعليم المختلفة، والثاني على الجمهورية للمكفوفين فحصل على دورات للكتابة على الكمبيوتر " word” واشترى له والده آلة للكتابة بطريقة برايل لمساعدته على حفظ الدروس، ولقدرته العالية على حفظ القرآن الكريم، حصل على إجازة في القراءات بروايات ورش وحفص عن عاصم، والتحق بالمعهد العالي لعلوم القرآن نظام الـ ٨سنوات، وهو بعمر الـ١٣ عامًا، وكان أصغر طالب به.

"كان الشيخ عبد الباسط هاشم أستاذ القراءات وعلوم القرآن بجامعة الأزهر يعاملني معاملة خاصة، أكثر من باقي الطلاب" يضيف حسين أن هذا الود من الشيخ كان الدافع الأكبر له على الاستمرار، حتى واجهته مشكلة عدم نقاء الصوت عندما أراد تسجيل القرآن الكريم بصوته، فبدأت رحلته مع تعلم برامج الهندسة الصوتية وإدخال بعض التأثيرات على صوت المشايخ، ومع مرور الوقت تعلمت الكثير من هذه البرامج بالبحث والمثابرة.

التحدي الأكبر 3 ثانوي 

"التحدي الأكبر لما كنت في ٣ ثانوي وفي السنة السادسة في المعهد، المدرسين تقريبا كانوا بيرفضوا غيابي عن المدرسة وباخد شبه دروس خصوصية لوحدي في المدرسة، حتى لو محدش حضر غيري"، نجحت بعدها وحصلت على المركز الثاني على مستوى الجمهورية للمكفوفين، وحصلت على منحة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي تنقسم إلى تحمل مصاريف الدرسة، ومهارات التواصل، والحصول على مصاريف الدورات التريبية، والسفر فيما بعد للولايات المتحدة، وقُبلت بعدها بكلية الإعلام واخترت شعبة اللغة الإنجليزية من أجل المنحة.

خياران: الاستسلام أم الابتكار 
زادت التحديات أمام حسين في شعبة اللغة الإنجليزية، فأصبح أمام خيارين إما التخلى عن حلمه بالتنازل عن المنحة التي حصل عليها، لعدم قدرته على تنفيذ التكليفات في الكلية، مثل التعرف على الصور واستخدام برامج  هندسة الصوت وتعديل الفيديو"المونتاج"، أو إيجاد برامج تعلم المونتاج، والتصوير للمكفوفين، ولأنه يعشق التحدي منذ الصغر ولا يعرف المستحيل، بدء في عملية بحث موسعة لإيجاد طريقة لتعلم هذه البرامج الذي يدرسها ، لم ييأس من الصدمات المتتالية التي تعرض لها فقضى ساعات في البحث عن أي برنامج من الممكن أن يساعده في تعليم المكفوفين وقبل أن تنفذ طاقته ويسلم بالأمر الواقع، أخبره والده بوجود شخص يقيم ورش تعليم "تصوير حسي" للمكفوفين ، فتحمس للفكرة وقرر البدء فوراً.

برنامج تصوير ناطق ولكن

لذكاء حسين الشديد ورغبته الكبيرة في التعلم السريع، تجاوزالشرح السيكولوجي وقرر التعلم العملي فوراً ودراسة أجزاء الكاميرا بالتفصيل، ليعرف كيف تتم العملية ووظيفة كل جزء فيها، لما يكتفي بهذا الحد وواصل مع شركة "كانون" لتصنيع الكاميرات واقترح عليهم تنزل برنامج ناطق صوتي لكي يتمكن كل كفيف من استخدمها بسهولة، ولكن الطلب قوبل بالرفض.

برامج جرافيك ومونتاج للمكفوفين 
رفض حسين السير على درب من سبقوه والاستسلام للأمر الوقع فقرر البحث عن برامج الجرافيك والمونتاج، لتنفيذ التكليفات  التي تطلب منه في الكلية ، خصوصاً وأن المكفوفين الذين سبقوه في الكلية جميعهم دخلوا قسم راديو لنظراً لظروفهم الخاصة، فكانوا لا يدخلون الاستديوهات والمعامل ، فكان الهدف من هذا البحث إيجاد طريقة يتعلم بها شخص كفيف سهلة التعلم ويستخدمها من يأتي بعدي، فتوصل بعض الشركات التي تقدم برامج مونتاج للمكفوفين وبدء في تعلمها ليثبت أن الإرادة يمكنها تخطي الصعاب وتحقيق المستحيل.