الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
منوعات

أسرار مدارس تعليم الأطفال «الإتيكيت» فى مصر

كشكول

فى الفترة العمرية ما بين ٣ و١٥ عامًا، تتحول تصرفات الأطفال من مجرد التقليد لما يرونه، إلى سلوكيات تبقى معهم طوال حياتهم، ما يدفع معظم الآباء والأمهات لتقويم سلوك أطفالهم، خلال هذه الفترة، خاصة فى كيفية التعامل مع الآخرين، ومراعاة آداب الحديث، وتعلم أسس القراءة والكتابة، وربما بعض من اللغات.

هذا الدور -حتى فترة قصيرة- كان مسئولية طبيعية للوالدين، لكن مع تقدم الحياة وانفتاحها، أصبح الأمر غير مقتصر على علاقات صداقة أو تعاملات فى محيط الأسرة، فـ«فيسبوك» مثلًا، وغيره من وسائل التواصل الاجتماعى، فتح المجال أمام الأطفال إلى صداقات افتراضية.

ومع توسع المجال أمام الأطفال، فيما حولهم، احتاج الآباء والأمهات إلى «وسيلة مساعدة»، تمثلت فى ظهور ما يعُرف باسم «إتيكيت الأطفال»، وهو عبارة عن «كورسات» تقدمها مدربات متخصصات للأطفال، يتعلمون فيها بأساليب مبسطة، كيف يأكلون، ويشربون، ويتحدثون، ويتعاملون مع الآخرين عمومًا.


ثريا: بنتى غيَّرت أخلاق زميلاتها فى المدرسة.. وبقت بتشرفنى

سارة حسن، عمرها ١٣ عامًا، خاضت تجربة «تعلم الإتيكيت»، قبل سنتين، بعدما لاحظت أسرتها عدم مرونتها فى التعامل مع الآخرين، حسب والدتها ثريا إبراهيم، التى قالت: «بتحترم الكبير وعارفة آداب الحوار، لكن تصرفاتها كانت حادة شوية»، وهو ما رغبت الأم فى تغييره.

عرضت «ثريا» فكرة «تعلم الإتيكيت» على ابنتها ووالدها، اللذين أعجبا بالفكرة، وتشير إلى أن «سارة» وافقت على خوض التجربة فى البداية، بهدف التباهى أمام صديقاتها بأنها «تتعلم أصول الإتيكيت»، لكن الدافع اختلف بعد ذلك، عندما أدركت أهمية الأمر، وأخذت تطبق ما تعلمها المدربة لها فى كل تصرفاتها

بدت آثار الاستجابة تظهر على الطفلة شيئًا فشيئًا، إلى أن تغير سلوكها بالفعل، وأصبحت لديها مرونة فى التعامل مع الآخرين، كما نقلت هذا السلوك الطيب إلى صديقاتها اللاتى تراهنّ كل يوم فى المدرسة، بدلًا من «التأثير الأخلاقى المتدنى للمدرسة بفعل تبادل الأطفال المعلومات والتصرفات المغلوطة بينهم»، كما تقول الأم. تلقت «سارة» ٤ حصص «إتيكيت»، بواقع حصة واحدة فى الأسبوع، وتؤكد والدتها أهمية هذه الحصص، مطالبة بتخصيص أوقات مماثلة لنفس الغرض للأطفال فى المدارس، لأنهم فى حاجة ماسة إلى هذه النوعية من الخبرات، ما يجعل من ذلك المطلب واجبًا قوميًا، لما يسهم فيه من تخريج آباء وأمهات المستقبل، ووفقًا لما تعتقده الأم من تعمقها فى الفكرة، فإن «الإتيكيت» لا يقل أهمية عن حصص الموسيقى والرسم، ويسهم فى تخريج جيل كامل من الشباب الخلوق.

حسناء: وقاية من سلوكيات «الباد بوى».. ونهى: المدربون أقوى من الوالدين
«عشان نسيطر على الصوت العالى، ونتعلم نسكت إمتى ونتكلم إزاى، وديتهم كورس إتيكيت».. بهذه العبارة بدأت حسناء حسن، أم لبنت وولدين، حديثها عن إلحاق أبنائها الثلاثة بحصص تعلم الإتيكيت فى سن مبكرة، مضيفة: «حاليًا مر على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الـ٨ و١٣ عامًا، ٥ سنوات فى التجربة الضرورية جدًا». 

السبب الذى دفع «حسناء» لذلك - والأهم من وجهة نظرها - أن المجتمع بات يتحدث بمصطلحات غير لائقة فى الشارع، وعلى شاشات التليفزيون وبين الأصدقاء فى المدرسة والنادى، هو ما يصعب السيطرة عليه.. كيف تتعامل مدربة الإتيكيت مع الأطفال إذن؟ تجيب الأم: «نموذج الجود بوى والباد بوى فرق مع الأولاد»، موضحة: «عادة ما تسعى المدربة لخلق نموذج افتراضى لشخصين، الأول يجمع بين الصفات الحسنة والثانى يتصرف بشكل سيئ، وبالتالى تنفر الأطفال من النموذج الأخير، وتحفزهم على تطبيق ما يفعله الأول، فى مختلف المواقف الحياتية التى تواجههم».
وأضافت: «ولأن الأطفال كانوا حريصين على أن يكونوا الفائزين فى هذا الاختبار الصغير، فقد سلكوا طريق الـ(جود بوى)».
نهى فخرى ألحقت هى الأخرى طفليها يوسف ١٠ سنوات، وياسين ٧ سنوات، بـ«كورس الإتيكيت».
فى الكورس، تعلما كيفية احترام الكبير، والاستئذان، وتناول الطعام، وآداب الحديث، والأوقات التى يستحسن فيها الصمت، إلى جانب قواعد ترتيب السفرة.
تفاجأت الأم بعد ذلك بأن طفليها استفادا أكثر مما توقعت. تقول «حسناء»، مضيفة: «الأطفال يقتنعون عادة بما يقوله الآخر.. ماما دايمًا بتبان كأنها بتدى أوردر، أما المدربون والمعلمون وغيرهم فتكون هناك استجابة سريعة للقيم التى يوجهون الأطفال إليها».

خبيرة سلوك: غير مكلفة ماديًا.. وياريت تتعمم فى كل المحافظات
«الأهالى حاليا عندهم وعى أكبر بضرورة تعليم أولادهم الإتيكيت»، تقول نيرة عبده، خبيرة الإتيكيت، مضيفة أنها تدرب أطفالهم على التعامل بالسلوك السليم فى المواقف اليومية. تتعامل «نيرة» -التى تعمل فى هذا المجال منذ سنتين إلى جانب مهنتها كمهندسة برمجيات- مع أطفال من طبائع مختلفة، تشرح لهم القواعد العامة، وأهمية تطبيقها فى يومهم العادى، وتخبرهم بالاستفادة التى ستعود عليهم عند تطبيقها، لافتة إلى أن استيعاب الصغار، يكون حسب العمر والبيئة المحيطة بهم.
هل يؤثر الإتيكيت على السلوك الجسمانى للطفل؟ تجيب المدربة: «بنعلمهم إزاى يقعدوا وإزاى يفردوا ضهرهم»، وأهمية فرد الضهر عند الجلوس، وكذلك طريقة تناول الطعام السليمة والحديث بأدب، حتى طرق فتح الفم أثناء الطعام والحديث، مضيفة: «جميع هذه المهارات وغيرها ندرسها لتخريج جيل جديد من الأطفال قادر على التعامل بلطف وأدب مع الآخرين».
وتطالب «نيرة» بتعميم التجربة فى مختلف المحافظات، لأنها مهمة ولها تأثير بالغ على الأطفال، خصوصًا أنها لم تعد مكلفة ماديًا.
وتستدرك: «مع أن الفكرة انتشرت، لكنها ما زالت محدودة، مقارنة بالأنشطة الأخرى التى يتعلمها الأطفال بتشجيع من الأهالى»، مشيرة إلى أن إطلاق الأبناء فى الشوارع يعرفهم على سلوكيات غير صحيحة يتأثرون بها عندما يكبرون فى السن.

مدربة: ليست حكرًا على أولاد الذوات.. والكورس لا يزيد على 10 أطفال

الإتيكيت فى مصر ليس وليد الفترة الأخيرة، لكنه كان مقتصرًا فى الأغلب على فئة اجتماعية معينة، ومؤخرًا أصبح فى استطاعة معظم الأسر المتوسطة أن تعلم أطفالها أصوله، لأنه أصبح غير مكلف.
تلخص داليا سلام، مدربة إتيكيت أطفال، التطور الذى طرأ على مهنتها الحالية، ثم تتحدث فى تفصيلات عملها فتقول: «إن عدد الأطفال فى الكورس الواحد لا يتعدى العشرة، حتى أستطيع التواصل مع كل طفل على حدة، وبالتالى يحصل على الاهتمام اللازم».
تقسّم «داليا» الأطفال خلال الكورس حسب أعمارهم، وتتفاوت استجابتهم لما تقوله حتى تحصل فى النهاية على النتيجة المرجوة، التى تسعى إليها الأمهات

ووفقًا لتفسير «داليا»، فإن الأمهات يلجأن للاستعانة بمدربات الإتيكيت لسببين، الأول أن ذلك بمثابة مُكمل لتربية الأم، خاصة أن الأطفال عادة ما يستجيبون للقدوة الخارجية أكثر من الوالدين دائمى التوجيه والإرشاد، والسبب الآخر هو وجود مشكلات بالفعل فى سلوك الطفل تحتاج إلى مساعدة وتقويم من شخص ذى علم وخبرة، وتكلفة الكورس متوسطة، كما تقول المدربة، وذلك لأهمية الإتيكيت للأطفال ورغبة فى التسهيل على الأهالى ماديًا، إذ إنها تحدده فى أكثر من مستوى، وتتعامل مع الطفل بالتدرج، أى من الأسهل للأصعب. وبشكل عملى، فإن الأهم فى الكورس، أن يكون لدى الطفل استعداد لتقبل تغيير سلوكه، سواء بالتشجيع أو المساعدة ممن حوله، معتبرة هذا الأمر يفرق بشكل كبير فى تحقيق نتائح أفضل

وتتابع: «تتفاوت درجات الاستيعاب بين الأطفال، وهنا أستخدم أكثر طريقة للتواصل معهم، بتبسيط المعلومة وتكرارها، أو تشجيعهم معنويًا، وكذلك استخدام المكافآت مثل الألعاب والقصص وغيرهما من الأنشطة التى يحبها الأطفال وتحفزهم على الاستجابة».