الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أزهر

عميد شريعة الأزهر يكشف لماذا شرعه الله الصيام للمسلمين؟

كشكول


كشف الدكتور عبد الحليم منصور عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، عن حكمة مشروعية الصيام.

وقال منصور، أن تزكية النفس من خلال طاعة الله عز وجل والابتعاد عن نواهيه وتدريبها على كمال العبودية وذلك بحرمانها من شهواتها والتحرر مما ألفته النفس من شهوات أو ملذات سواء بينه وبين نفسه ، أو بينه وبين الناس ، وليس له هدف من وراء ذلك إلا طاعة الله عز وجل ، وهذا في حد ذاته من أسمى المقاصد وأعلاها لأن المسلم لم يفعل ذلك إلا ابتغاء وجه الله عز وجل ولذلك جاء في الحديث " والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".

كما أنه في الصوم إعلاء للجانب الروحي على الجانب المادي في الإنسان فالإنسان ذو طبيعة مزدوجة ، حيث فيه عنصر من الطين والحمأ المسنون، وفيه عنصر الروح الإلهي الذي نفخه الله فيه ، وهذان عنصران ، أحدهما يشد المسلم إلى أسفل، وآخر يجذبه إلى أعلى، فإذا تغلب عنصر الطين هبط إلى حضيض الأنعام أو أضل سبيلا، وصدق الله العظيم إذ يقول :" والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " وإذا تغلب عنصر الروح ارتقى إلى أفق الملائكة ومن ثم فالصوم يجعل المسلم ينتصر فيه الجانب الروحي والملائكي على الجانب المادي والحيواني.

وأنه في الصوم تقوية لإرادة المؤمن في هذه الحياة الدنيا وتعويد لنفسه للصبر على تحمل الصعاب والمشاق لأن الأمة الإسلامية أمة في جهاد إلى يوم القيامة وتعمل العبادات أثرها في إزكاء هذا المعنى لدى المؤمن حتى يستطيع المسلم أن يؤدي واجباته بكل جد ونشاط .

 

كما أن في الصوم تذكير للمسلم بنعم الله عز وجل وذلك من خلال حرمان المسلم من المباحات لبعض الوقت ليعرف قيمة هذه النعم التي وهبها الله عز وجل ، فإن النفس إذا ألفت شيئا وتعودت عليه دائما ولم تحرم منه، فإن هذا يفقد المسلم قيمة هذه النعم، فالمسلم إنما يحس بنعمة الشبع والري إذا جاع أو عطش ، فإذا شبع بعد جوع، أو ارتوى بعد عطش ، حمد الله عز وجل وشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، وهذا ما أشار إليه المعصوم  في قوله :"عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت : لا يارب ولكني أشبع يوما وأجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك".

 

وفي الصوم كسر للشهوة من خلال تصفية الروح والتغلب على نوازع النفس الشيطانية ولذلك نجد النبي يقول مخاطبا الشباب :"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

 

ولقد ذكر العلامة ابن الهمام كثيرا من حكم الصيام وفوائده في كتابه القيم فتح القدير بقوله : هذا ثالث أركان الإسلام بعد لا إله إلا الله محمد رسول الله شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجبا شيئين : أحدهما : سكون النفس الأمارة وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح ، من العين ، واللسان ، والأذن ، والفرج ، فإن به تضعف حركتها في محسوساتها ، ولذا قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء ، وإذا شبعت جاعت كلها ، وما عن هذا صفاء القلب من الكدر فإن الموجب لكدوراته فضول اللسان والعين وباقيها وبصفائه تناط المصالح والدرجات.

 

كما أنه موجبا للرحمة والعطف على المساكين فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ، ذكر من هذا حاله في عموم الأوقات ، فتسارع إليه الرقة عليه، والرحمة حقيقتها في حق الإنسان نوع ألم فيسارع لدفعه عنه بالإحسان إليه ، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء.

 

 

وأخيرًا  ومنها موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون أحيانا ، وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى، كما حكي عن بشر الحافي أنه دخل عليه رجل في الشتاء فوجده جالسا يرعد وثوبه معلق على المشجب فقال له: في مثل هذا الوقت ينزع الثوب، فقال: "يا أخي الفقراء كثير وليس لي طاقة مواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملون.