الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

كشكول فى زيارة خاصة لـ"مدينة العلوم للبحوث الإلكترونية".. شباب المبتكرين: ساعدتنا على تنفيذ أفكارنا

كشكول

رغم ما تتداوله وسائل الإعلام يوميًا من أفكار جديدة، وابتكارات واختراعات يقترحها شباب مصريون تُثرى مجالات البحث العلمى، ويمكن حال تبنيها وتطبيقها توفير الملايين للدولة المصرية، إلا أن هذه الأفكار تواجه مصيرًا مظلمًا، ينتهى عادة إلى أدراج الموظفين، دون أن تصل إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع.

وفى محاولة للتغلب على السبب الرئيسى وراء عدم تنفيذ هذه الأفكار- وهو عدم وجود اتصال بين العقول المبتكرة الشابة، وبين الجهات المهتمة بتحويل الأفكار العملية والبحثية إلى منتج على أرض الواقع- جاء قرار تدشين مدينة تختص بالعلوم والبحوث التكنولوجية، لتكون جسرًا بين الطرفين، يمكن من خلاله دعم المخترعين الجدد ماديًا وتقنيًا.

«كشكول» تجولت داخل «مدينة العلوم للبحوث الإلكترونية»، لتستكشف طبيعة المدينة، وأقسامها ومعاملها الجديدة المقرر افتتاحها قريبًا.

حلقة وصل بين المخترعين وجهات التنفيذ.. ومزودة بمعامل متقدمة فى مجال النانو

طوال العقود الماضية، كان «معهد البحوث الإلكترونية» أكبر مركز بحثى مصرى فى مجال هندسة الإلكترونيات، إذ يعمل به نحو ٢٧٠ باحثًا فى كل التخصصات، بالإضافة إلى تزويده بالعديد من المعامل والمختبرات المجهزة بأحدث التكنولوجيات وأدوات القياس المتطورة.

وبعد أن كان «معهد البحوث الإلكترونية» مجرد مبنى واحد، يقبع داخل «المركز القومى للبحوث» فى منطقة الدقى بمحافظة الجيزة، بدأت وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، خطة تأسيس الصرح الكبير المتخصص فى البحوث الإلكترونية والتكنولوجية، ليصبح إحدى أكبر المؤسسات المهتمة بالمجال البحثى، وهندسة الإلكترونيات.

وبدأت التنفيذ بنقل المعهد إلى منطقة النزهة الجديدة، وتحويله إلى مدينة متكاملة للبحوث التكنولوجية، وتزويده بعدد من المعامل المركزية الأكثر تطورًا، حتى يحقق طفرة فى مجال البحث العلمى فى مصر.

المعامل المتطورة كانت أول ما تم إنجازه فى مدينة العلوم، التى شهدت أرضها بناء عدة معامل تعد الأكثر تطورًا فى مصر والمنطقة، منها معمل «الغرفة النظيفة»، المخصص لتصميم وتطوير النظم الكهروميكانيكية الدقيقة، ومعامل «الحوسبة السحابية والحاسبات فائقة الأداء»، و«قياسات الهوائيات والتوافق المغناطيسى»، بالإضافة إلى معامل الآلات الكهربية، والتحكم، والدوائر الهجينية، ومعامل مخصصة للبحوث المتعلقة بالروبوتات.

ووفقًا لهشام الديب، رئيس معهد البحوث الإلكترونية، فإن مدينة العلوم تضم أيضًا معملًا مركزيًا للنانو تكنولوجى، ما يعد أحد أهم الإنجازات التقنية الحديثة فى مصر، نظرًا لقدرته على خدمة مجالات بحثية متعددة، فى الزراعة والطب وغيرها.

الهدف من المشروع وفقًا لرئيس المعهد هو أن تصبح المدينة حلقة وصل بين شباب المبتكرين من جهة، والجهات المسئولة عن تنفيذ الصناعات وترويجها من جانب آخر، من أجل تعميق المكون المحلى فى صناعة الإلكترونيات، ولتحقيق ذلك، احتاجت المدينة إلى تكوين شراكات مع عدة جهات محلية وعالمية، لتطوير الهياكل الفنية والإدارية للمعهد، والاستفادة من تبادل الخبرات.

وأضاف: «استطعنا توقيع اتفاقيات مع جهات محلية وعالمية لزيادة التواصل مع المجتمع العلمى الدولى، وتحديث البنية التحتية للمعهد، ما يسهم فى تطوير الأداء والتواصل مع العالم الخارجى، كما أنشأنا مكتب tico للتعاون مع القطاعات الصناعية وحفظ الملكية الفكرية ووقعنا بروتوكول تعاون مع نقابة المهندسين، باعتبار المعهد جهة استشارية فى مجال هندسة الإلكترونيات والتدريب المتخصص».

وتابع: «نجحنا فى تكوين شراكة مع عدد من الجامعات والهيئات البحثية الصناعية، وانضمت المدينة إلى الجمعية العالمية «تكنوبوليس»، التى تهدف إلى بناء مدن علمية وتكنولوجية ذات تنافسية عالمية، وربط العلم والتكنولوجيا مع الابتكار الإقليمى، بالإضافة إلى إنشاء شراكات تعاونية لتطوير المدن العلمية والتكنولوجية، وتضم الجمعية أعضاء من ٤٧ دولة من مختلف أنحاء العالم، منهم مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية ببرج العرب بالإسكندرية».

وأوضح قائلًا: «لتحقيق هدف المساعدة على تعميق المكون المحلى فى صناعة الإلكترونيات، تحالفت المدينة مع ١٥ شريكًا من اللاعبين الرئيسيين فى قطاع الإلكترونيات فى مصر، من بينها مراكز البحوث والجامعات والمؤسسات الصناعية».

ويشمل التحالف، وفقًا لرئيس المعهد، كلًا من: جامعة القاهرة، والجامعة الأمريكية، ومدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، ومعهد بحوث الإلكترونيات، ومعهد بحوث البترول، ومركز التميز للعلوم والتكنولوجيا التابع للإنتاج الحربى، والهيئة العربية للتصنيع، ومصنع بنها للإلكترونيات، والشركة العربية لصناعة الكمبيوتر. كما يضم عددًا من الشركات الصغيرة والمتوسطة، من بينها: شركة «سولا» المتخصصة فى أنظمة الطاقة الشمسية، و«بيو بيزنس» «إيجى تك» فى مجال التطبيقات الطبية، بالإضافة إلى الهيئة العامة للتنمية الصناعية.

150 ألف جنيه لدعم الشباب المخترعين.. ومكتبة لمساعدة الباحثين

لكونها مهتمة بالأساس بدعم الكوادر العلمية المتميزة فى مجالات البحوث التكنولوجية، وضعت مدينة العلوم العنصر البشرى على رأس أولوياتها.

وتضم المراكز البحثية بالمدينة نحو ٤٠٠ باحث فى مختلف التخصصات، بالإضافة إلى تأسيس منظومة خاصة تهتم بعدد من الشباب، وتتبنى تنفيذ مشروعاتهم سنويًا، مع تقديم الدعم المادى والفنى لهم، من خلال برنامج «حاضنات الأعمال»، الذى يدعم الأفكار المبتكرة والشركات الناشئة فى مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى.

وعن مبادرة حاضنات الأعمال، كشف هشام الديب، رئيس معهد البحوث الإلكترونية، عن أن المبادرة تُعد أول حاضنة تكنولوجية قومية متخصصة فى صناعة الإلكترونيات، وتقدم دعمًا ماديًا لكل شاب، قد يصل إلى ١٥٠ ألف جنيه، بالإضافة إلى الدعم الفنى، والتوجيه اللازم فى مجالات مختلفة مثل: التسويق وإدارة الأعمال، من خلال الخبراء والباحثين المتخصصين.

وأضاف: «نساعد فى مراحل تطوير المشروع، والحصول على براءات اختراع وحقوق الملكية الفكرية، ولدينا شبكة من الخبراء المحليين والدوليين، من رواد صناعة الإلكترونيات والتسويق والإدارة، للمساعدة فى جميع النواحى الإدارية والقانونية المطلوبة خلال فترة الاحتضان، التى تقدر بـ٩ أشهر، ونستعد خلال الفترة المقبلة لتخريج الشباب والمخترعين كرواد شركات ناشئة قادرة على العمل والمنافسة». وتابع: «تستهدف المبادرة أصحاب المشاريع والابتكارات الناشئة فى مختلف مجالات الإلكترونيات وتطبيقاتها، مع التركيز على المشاريع ذات الأهداف الاستراتيجية والعائد المباشر على الاقتصاد القومى، مثل مشروعات الطاقة المتجددة، والمستشعرات الذكية، وتحديات البيئة والغذاء، كما نستهدف حل المشاكل والتحديات الصناعية القائمة، عبر دراسة مشكلات الجهات الصناعية فى مصر، وإيجاد حلول مبتكرة ومتقدمة لها».

وعن أهم المشروعات التى أنجزها الشباب بالتعاون مع مدينة العلوم، قال الديب: «من بين أهم مشروعاتنا ابتكار مصعد ذكى يتنبأ ويكتشف الأخطاء والأعطال، بالاعتماد على الإنترنت، أما أهم المشروعات فهو بناء المكتبة الرقمية، التى تهدف إلى التعريف بالمحتوى العلمى الهائل لدينا، ومساعدة أعضاء المعهد فى أبحاثهم».

 

لاسلكى ضد الاختراق ومولد كهرباء شمسى دون ألواح وريسيفر مصرى.. أبرز الإنجازات

بعد سنوات اليأس التى أصابت عددًا من الشباب بسبب عدم قدرتهم على تنفيذ ابتكاراتهم على أرض الواقع، نجح برنامج حاضنات الأعمال، التابع لمدينة العلوم للبحوث الإلكترونية، فى تذليل العقبات أمام عدد منهم، ورفع عنهم أعباء التمويل وفقدان الدعم، وصعوبات تسجيل براءات الاختراع، حتى وصل عدد منهم إلى اللحظة التى رأى فيها منتجه على أرض الواقع.

البداية كانت من المهندس عمرو محمود، ٢٦ عامًا، والمتخصص فى مجال هندسة الإلكترونيات، بعدما كرّس وقته ومجهوده فى سبيل تصنيع جهاز لاسلكى مضاد للاختراق، يصل مداه إلى ١٦٠٠ كيلومتر.

يقول عمرو، إن الفكرة راودته عندما شاهد العمليات الإرهابية فى شمال سيناء، وقدرة بعض الجماعات على اختراق شبكات الاتصالات لبعض الجهات الأمنية، والتجسس على تحركاتهم.

ويضيف: «جزء كبير من اللى بيحصل سببه اختراق اللاسلكى، لأنه جهاز متاح للبيع وسهل أى حد يحصل عليه، عشان كدا قررت أساهم فى حماية الأرواح، وتوفير المليارات، وفعلا قدرت أصنّع جهاز غير قابل للاختراق وأسجل براءة الاختراع».

ويتابع عمرو: «سعر جهاز اللاسلكى المستخدم حاليًا فى مصر يصل إلى ٢٠٠ ألف دولار، بينما يمكن إنتاج جهازى الجديد بتكلفة ٤٠ ألف جنيه فقط، وبمدى إرسال واستقبال يتراوح بين ٢٥٠ و١٦٠٠ كيلومتر، ما يسهّل من مهمة القوات الأمنية فى المسافات البعيدة».

وعن كفاءة جهازه يقول: «اختراق الرسالة الواحدة يحتاج إلى ٢٥٦ عامًا من المحاولة، والجهاز قادر على تشفير الصور، وأنا أعتبره الجهاز الأول من نوعه على مستوى العالم اللى بيقدر يبعت الصور بشكل مشفر، ودا اللى مفيش أى تقنية عالمية بتنفذه حاليًا، وكمان هو بيشتغل بتردد مختلف تمامًا عن باقى الأجهزة المماثلة».

اللاسلكى الجديد لاقى إعجابًا كبيرًا من قبل عدة جهات، على رأسها الكلية الفنية العسكرية التى منحت عمرو جائزة أفضل مشروع اتصالات من بين عدد كبير من المشروعات، بعد أن تم التحقق ومنه وتجربته جيدًا، ما دفع الدكتور أشرف الشيحى، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، إلى ترشيحه للانضمام إلى برنامج حاضنات الأعمال، فى مدينة العلوم.

ووفقًا للباحث، فإن المشكلة الوحيدة التى تحول بين نجاح المشروع بشكل تجارى هى عدم وجود مختصين أكْفاء فى المجال، يستطيعون اختبار جودة الجهاز، ومدى قوته وكفاءته ضد الاختراق.

يوضح عمرو: «لازم نجيب مختصين من برا مصر، أو هاكرز ليعملوا محاولات اختراق للجهاز عشان نقيس مدى نجاحه، وبمجرد إتمام الخطوة دى، نقدر نصنّع الجهاز بشكل مخصص لقوات الجيش والشرطة، أو تسويقه كجهاز لاسلكى جديد فى السوق».

«أما محمد عصام الدين، الحاصل على درجة البكالوريوس فى مجال إدارة الأعمال، والذى يبلغ من العمر ٢٣ عامًا، فاهتم باختراع مولد كهرباء شمسى «دون ألواح»، ليتوج به حبه للابتكارات التكنولوجية، بعد حصوله على ٣ براءات اختراع.

المولد الجديد، وفقًا لمحمد، مصنوع من البلاستيك والأخشاب ومادة الاستانليس، ويمكن استخدامه فى عدة مجالات.

يقول محمد: «المولد بيحول حرارة الشمس إلى أشكال مختلفة من الطاقة، وبيطلع درجة حرارة تتراوح بين ٨٠٠ و٢٠٠٠ درجة، ودى كافية لمعظم المهمات الصناعية زى صهر المعادن، والمسابك وتبخير المياه، أو طاقة حركية يمكن الاستفادة منها لتشغيل المعدات والآلات، أما الاستفادة الأكبر والهدف الرئيسى للجهاز، فهو إنتاج الكهرباء بتكلفة أقل من الألواح الشمسية باهظة الثمن، لأن المواد المستخدمة فى الجهاز بسيطة ورخيصة ومتوافرة محليًا.

ويضيف محمد: «حاليًا بنحاول نطور من الفكرة بحيث إن الجهاز يبقى متاح للعمل ليلًا من خلال وحدة تخزين للطاقة، وحصلت على براءة اختراع للجهاز عام ٢٠١٤، ومتبقى خطوات بسيطة على نجاح المشروع».

نجاح المشروع لم يكن ممكنًا لولا وجود معهد البحوث الإلكترونية، وكانت الخطوة الأهم فى مساره - حسب محمد- هى لحظة ترشّحه لبرنامج حاضنات الأعمال، ما أدى لتطوير المشروع وتنفيذه، حتى اقترب من الوصول لمرحلة التصنيع.

وعلى غرار صاحبيه، نجح أحمد عبدالستار، فنى الإلكترونيات، الذى يبلغ من العمر ٣٠ عامًا، فى تصنيع أول جهاز مصرى لاستقبال البث التليفزيونى «ريسيفر»، بصورة عالية الدقة. دافعه لذلك كان ارتفاع أسعار أجهزة الاستقبال بشكل مبالغ، فى السنوات الأخيرة، ما جعله يفكر فى ابتكار جهاز وطنى، بدلًا من الاعتماد بشكل كامل على الاستيراد من الخارج.

يقول أحمد: «كان عندى ورشة صيانة، ولمّا سعر الدولار زاد، جت لى فكرة إنى أعمل أول ريسيفر عالى الدقة، ويكون جهازًا مصريًا، وبدأت أجيب جهاز موجود فعلًا، وأحاول أعمل زيه، مع بعض التعديلات، وفعلًا نجحت فى تقديم المنتج بشكله النهائى، وحاليًا بدأت مرحلة الترخيص».

ويضيف أحمد: «التصميم الخارجى للجهاز كان أهم مراحل الإنتاج، وساعدنى الخبراء فى تجهيز التصميم الخارجى، وتصنيع الجهاز كله، والمساعدة لم تقتصر على الصناعة، لكن وصلت إلى كيفية تكوين شركة ناشئة، وتعليمى اختيار الشعار المناسب للشركة وغيرها من الأمور التى تجعل الشاب يخرج من حاضنة الأعمال وهو جاهز تمامًا للانطلاق وتكوين شركته الخاصة».