السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

"أزمات كليات الطب".. طلاب وخريجين: لا نعرف طبيعة ما يعانيه المرضي

كشكول

اتهامات بـ«اللا إنسانية» وجها طلاب وخريجون من كليات الطب لعدد من أساتذتهم، الذين يمتحنونهم عمليًا بوضعهم أمام حالة مرضية وصفوها بـ «الحرجة»، دون أي مراعاة للبعد الإنساني، مشيرين في الوقت ذاته إلى تدني قيمة المكافأة التي يحصل عليها طبيب «سنة الامتياز» (آخر سنوات الدراسة) التي تدور معظمها في نطاق
أدنى من الألف جنيه.

وبحسب شهادات لطلاب وخريجين، يستغل «الأساتذة» مرضى المستشفيات الجامعية والحكومية في تدريب وامتحان حديثي العهد بكليات الطب، موضحين أن فحوصاتهم وممارساتهم العملية التي يطبقونها على المرضى تتم في الغالب دون وجود إشراف حقيقي من أساتذة أكثر خبرة، ما يعني إهدار الجهد والوقت، وأحيانًا الإضرار بالمرضى الذين يتركون في الغالب مثل لعبة في دي طفل.

دراسة علي قديمه

وقالت الطالبة «تسنيم. س» بالفرقة النهائية بكلية طب قصر العيني جامعة القاهرة، إن أسلوب الدراسة ما يزال قديمًا للغاية ولا يتناسب مع التطور الهائل الذي يشهده مجال وعلوم الطب في الدول المتقدمة، وأن الأدوات والمناهج ما تزال قديمة.

وأشارت الطالبة، إلى أن قلة قليلة جدًا من أساتذة الكلية هم من يحاولون أن يواكبوا تطورات الطب في العالم، أو يشرحون المناهج العلمية بـ «ضمير»، معتبرة مادة «الجراحة» هي الأسوأ من بين كل المواد، لأن الأساتذة يمتحنون الطلاب لمدة ساعتين أمام مرضى في «حالات حرجة» تتطلب تدخل يد خبير بدلًا من استخدامهم
لاختبار طلاب جدد، متسائلة «كيف أمتحن وأنا أسمع صرخات المرضى وأشاهدهم يتألمون».

وأوضحت الطالبة إلى أن تأخر الاستجابة لاستغاثات المرضى، والذين أغلبهم من مستشفيات حكومية وجامعية، واستخدامهم في الامتحانات العملية قد يتسبب في موت بعضهم أو تفاقم أزمته الصحية، وفي بعض الحالات قد يكون بتر أحد أطراف المريض هو أقصى ما يمكن عمله بعد أن تفاقمت حالته.

ووصفت الطالبة «العرف» السائد بين معظم أساتذة الطب بأنه شيء غير إنساني، وأنها تفضل أن تمتحن باستخدام حالات مستقرة بعض الشيء، بدلًا من المجازفة بمرضى في حالات خطرة.

ووافقتها الرأي الطالبة «مريم. ش» بالفرقة النهائية بطب قصر العيني جامعة القاهرة، وقالت إن طلاب السنة النهائية يحتالون على امتحانات الجراحة والباطنة العملية بتفقد أكبر عدد من المرضى قبل الامتحان النهائي، لمعرفة تفاصيل حالاتهم الصحية، حتى لا يفاجأوا بهم في الامتحان، خاصة أن زمن السؤال الواحد دقيقتان.


نقص التأهيل النفسي

فيما قال الطالب محمد عمران، بالفرقة الأولى لكلية الطب بجامعة الأزهر، فرع القاهرة، إن واقع الكلية والدراسة يمثل صدمة يتلقاها الطلاب في أولى أيام الدراسة، حيث يسارع الأساتذة بالزج بهم إلى المعامل، ومواجهتهم بالمرضى دون تأهيل مسبق، مضيفاً: «أشعر أنه ينقصنا التأهيل النفسي والعلمي، نحن نواجه ضغوطًا كبيرة
وبعضنا يهرب ويفضل ألّا يكمل طريق دراسة الطب».

وأضاف الطالب عبد الرحمن محى: «فى السنة الثانية نبدأ دخول معامل الكليات، للتدريب على أشياء نراها لأول مرة، حتى أن دراستها العملية والنظرية لم تكن كافية لتأهلينا ودخولنا المجال بعد».

في حين أشار الطالب جمعة عبد الغنى، طالب بكلية الطب جامعة الأزهر، إلى أن معامل الكيمياء الحيوية التى توجد بفرع القاهرة «بحاجة لتطوير شامل»، وأنه يضطر هو وزملاؤه إلى اللجوء لشبكة الإنترنت ومشاهدة فيديوهات لتجارب عملية ومحاضرات نظرية، للتغلب على نقص الإمكانات المادية.

وتابع عبدالغني: «هناك مشاكل عدة فى قسم التشريح والأجنة، والمعامل التى ندرس بها غير مؤهلة، على عكس جامعات أخرى في دول متقدمة تستخدم تقنيات حديثة جدًا».

عدم الأستفادة بأي خبرات


بينما أوضح الطالب محمد عبد المحسن، بالفرقة السادسة كلية الطب، أن التدريب فى مستشفيات الأزهر ليس بالسيئ ولا الجيد، «نحن على المستوى الشخصى لا نستفيد بأى خبرات فى السنوات الأولى».

وقال الطبيب عبدالله عبد الغنى: «الدول الأخرى تنظر لخريج الطب المصري على أنه يفتقد إلى قدر كبير من التدريب»، مضيفا «معظم طلاب الأزهر يتجهون للزمالة البريطانية من أجل الحصول على فرصة للسفر خارج مصر، حيث الأجور أعلى والظروف أفضل بكثير».

وأكمل الطالب محمد على، بسنة الامتياز، إن التدريب في سنوات الدراسة الأولى مقبول إلى حد ما، لأنه يتضمن فحص حالات مرضية يظهر عليها أعراض بسيطة، ولا نحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل فى المستشفيات بل نكتفى فقط بالنظر والمساعدة، «قد يكون دورنا أشبه بدور التمرجى إن صح القول، فنحن لا نتدخل فى العمل الطبى بالشكل الكامل».

وقال "علي": «أنا طالب فى سنة الامتياز ومن المفترض أن أعمل تحت يد طبيب خبير فى المستشفى، ولكن هذا لا يحدث، ومعظم الوقت أكون بمفردي أستقبل حالات في قسم الطوارئ، وأفاجأ بأن ما درسته فى الجامعة غير موجود في الواقع، وأشعر بصدم كبيرة"، مضيفا «أشعر أنني أهدرت 7 سنين من عمري».

وقال الطالب عبد الحميد محمود، أنا لا أجيد التعامل مع المرضى في المستشفى فى كثير من الأحيان بسبب قلة الخبرة العملية، و افتقاري للمهارات اللازمة، لكن أجد نفسي مجبرًا على التعامل مع المرضى، وتوقيع الكشف عليهم وتشخيص حالاتهم، وأنا فى الحقيقة لا أعرف ما الذى يعانى منه وهذا تحديدًا، وأنا أتحث هنا عن واقعة محددة
تشهدها مستشفى الحسين الجامعي.

وتابع محمود:"على العكس من ذلك نجد فريق عمل متكامل في استقبال مستشفيات مثل الدمرداش وأحمد ماهر، وهناك (تيم) يقوده نائب طوارئ موجود مع الطلاب المتدربين طوال الوقت، وفى بعض الأحيان يوجد فريق كامل من الأطباء المتخصصين بجانب المتدربين، وهذا يجعلنا نشعر باستفادة أكبر"، مضيفاً "بالنسبة لمعامل المستشفيات بجامعة الأزهر، فنحن ممنوعون من دخولها نهائيًا، هي حكر فقط على أطباء التحاليل".

مكافآت متدنية

وفي السياق ذاته، قال محمود إبراهيم، طبيب امتياز، إن سنة الامتياز تعد فترة تدريبية، ومن المفترض أن تكون مدفوعة الأجر، لكن الجامعة تصرف مكافآت مالية متدنية للطلاب، وضرب مثلًاً بجامعة كفر الشيخ قائلًاً إنها تعطي طلابها ألف جنيه شهريًا، أما جامعة طنطا فتعطي طلاب الامتياز 400 جنيه، تم رفعها إلى 600 مؤخرًا، بينما القصر العيني والإسكندرية وغيرها من الجامعات لا تعطي شيئًا، أما جامعة الأزهر فتمنح طلابها
250 جنيهًا فقط.

وتابع إبراهيم، قائلاً: "نفقات فترة التدريب أو سنة الامتياز أتحملها من مالي الخاص، وهو ما يجعلني كطالب في السنة الأخيرة أن أتجه للعمل الخاص، وأترك المستشفيات الحكومية، لأن وزارة الصحة تعامل طلاب الامتياز بمنطق لا يليق أبدًا، كما أن مديري التدريب يوزعون علينا تكليفات لسنا مؤهلين للتعامل معاها".

وأضاف إبراهيم، أن معامل التحاليل يديرها أشخاص يعملون بشكل غير رسمي مع معامل خارجية وصيدليات، لتوجيه المرضى لهذه المعامل الخارجية والحصول على عمولة، وهو الأمر نفسه الذي يفعله أعضاء فرق التمريض داخل المستشفيات ، مشيراً إلى أن بعض الأجهزة بمعامل المستشيفات الجامعية بها خلل، وتعطي نتائج غير دقيقة كما أنها تفتقر إلى القدر الكافي من التطور التكنولوجى، وأحيانًا يتشاجر المرضى مع أطباء الامتياز لإجراء التحليل في هذه المعامل، فنضطر لإجرائها لهم، ونحن نعلم أن نسبة الخطأ ستكون عالية، وبالتالي لن نتمكن من تحديد العلاج المناسب.