السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

"بلد شهادات" .. "كشكول" يحقق في أزمات كليات الطب من كل أطراف المنظومة

كشكول

يظل الالتحاق بكلية الطب حلماً يرواد غالبية طلاب الثانوية العامة، والذين يبذلون جهداً كبيراً هم وعائلاتهم لتحقيقه، لكن هؤلاء بمجرد الالتحاق بالكلية التي تمنحهم لقب «الدكتور»، وتؤهلهم لممارسة أخطر مهنة في أي مجتمع لتعلقها بصحة المواطنين، يُفاجئون بواقع بواقع في قمة السوء.

فلا تدريب جيد ولا إمكانيات تدريس مناسبة ولا نظام تعليمي كافي لتخريج طبيب مميز يكون ملماً بآخر التطورات في مجال الطب، والذي يشهد تغييرات كبيرة كل دقيقة حول العالم، وحتى بعد التخرج يصطدمون بالعمل في مستشفيات غير مؤهلة بإمكانيات ضعيفة للغاية، فضلاً عن صعوبة عملهم في بعض دول العالم لاحتياجهم إلى «معادلة» شهادتهم المصرية.

«كشكول» وخلال السطور التالية تفتح هذا الملف الخطير، وتحقق فيه مع رؤساء الجامعات وعمداء كليات الطب والأطباء الخريجين والأطباء الطلاب، خاصة مع إقرار نظام جديد للدراسة قبل نحو عام.

طلاب وخريجون .. لا نعرف طبيعة ما يعانيه المرضي

اتهامات بـ «اللا إنسانية» وجها طلاب وخريجون من كليات الطب لعدد من أساتذتهم، الذين يمتحنونهم عمليًا بوضعهم أمام حالة مرضية وصفوها بـ «الحرجة»، دون أي مراعاة للبعد الإنساني، مشيرين في الوقت ذاته إلى تدني قيمة المكافأة التي يحصل عليها طبيب «سنة الامتياز» (آخر سنوات الدراسة) التي تدور معظمها في نطاق أدنى من الألف جنيه.
وبحسب شهادات لطلاب وخريجين، يستغل «الأساتذة» مرضى المستشفيات الجامعية والحكومية في تدريب وامتحان حديثي العهد بكليات الطب، موضحين أن فحوصاتهم وممارساتهم العملية التي يطبقونها على المرضى تتم في الغالب دون وجود إشراف حقيقي من أساتذة أكثر خبرة، ما يعني إهدار الجهد والوقت، وأحيانًا الإضرار بالمرضى الذين يتركون في الغالب مثل لعبة في دي طفل.
وقالت الطالبة «تسنيم. س» بالفرقة النهائية بكلية طب قصر العيني جامعة القاهرة، إن أسلوب الدراسة ما يزال قديمًا للغاية ولا يتناسب مع التطور الهائل الذي يشهده مجال وعلوم الطب في الدول المتقدمة، وأن الأدوات والمناهج ما تزال قديمة.
وأشارت الطالبة إلى أن قلة قليلة جدًا من أساتذة الكلية هم من يحاولون أن يواكبوا تطورات الطب في العالم، أو يشرحون المناهج العلمية بـ «ضمير»، معتبرة مادة «الجراحة» هي الأسوأ من بين كل المواد، لأن الأساتذة يمتحنون الطلاب لمدة ساعتين أمام مرضى في «حالات حرجة» تتطلب تدخل يد خبير بدلًا من استخدامهم لاختبار طلاب جدد، متسائلة «كيف أمتحن وأنا أسمع صرخات المرضى وأشاهدهم يتألمون».
وأوضحت الطالبة إلى أن تأخر الاستجابة لاستغاثات المرضى، والذين أغلبهم من مستشفيات حكومية وجامعية، واستخدامهم في الامتحانات العملية قد يتسبب في موت بعضهم أو تفاقم أزمته الصحية، وفي بعض الحالات قد يكون بتر أحد أطراف المريض هو أقصى ما يمكن عمله بعد أن تفاقمت حالته.
ووصفت الطالبة «العرف» السائد بين معظم أساتذة الطب بأنه شيء غير إنساني، وأنها تفضل أن تمتحن باستخدام حالات مستقرة بعض الشيء، بدلًا من المجازفة بمرضى في حالات خطرة.
ووافقتها الرأي الطالبة «مريم. ش» بالفرقة النهائية بطب قصر العيني جامعة القاهرة، وقالت إن طلاب السنة النهائية يحتالون على امتحانات الجراحة والباطنة العملية بتفقد أكبر عدد من المرضى قبل الامتحان النهائي، لمعرفة تفاصيل حالاتهم الصحية، حتى لا يفاجأوا بهم في الامتحان، خاصة أن زمن السؤال الواحد دقيقتان.
وقال الطالب محمد عمران، بالفرقة الأولى لكلية الطب بجامعة الأزهر، فرع القاهرة، إن واقع الكلية والدراسة يمثل صدمة يتلقاها الطلاب في أولى أيام الدراسة، حيث يسارع الأساتذة بالزج بهم إلى المعامل، ومواجهتهم بالمرضى دون تأهيل مسبق، مضيفاً: «أشعر أنه ينقصنا التأهيل النفسي والعلمي، نحن نواجه ضغوطًا كبيرة وبعضنا يهرب ويفضل ألّا يكمل طريق دراسة الطب».
وقال الطالب عبد الرحمن محى: «فى السنة الثانية نبدأ دخول معامل الكليات، للتدريب على أشياء نراها لأول مرة، حتى أن دراستها العملية والنظرية لم تكن كافية لتأهلينا ودخولنا المجال بعد».
وأشار الطالب جمعة عبد الغنى، طالب بكلية الطب جامعة الأزهر، إلى أن معامل الكيمياء الحيوية التى توجد بفرع القاهرة «بحاجة لتطوير شامل»، وأنه يضطر هو وزملاؤه إلى اللجوء لشبكة الإنترنت ومشاهدة فيديوهات لتجارب عملية ومحاضرات نظرية، للتغلب على نقص الإمكانات المادية.
وتابع: «هناك مشاكل عدة فى قسم التشريح والأجنة، والمعامل التى ندرس بها غير مؤهلة، على عكس جامعات أخرى في دول متقدمة تستخدم تقنيات حديثة جدًا».
وأوضح الطالب محمد عبد المحسن، بالفرقة السادسة كلية الطب، أن التدريب فى مستشفيات الأزهر ليس بالسيئ ولا الجيد، «نحن على المستوى الشخصى لا نستفيد بأى خبرات فى السنوات الأولى».
وأضاف الطبيب عبدالله عبد الغنى: «الدول الأخرى تنظر لخريج الطب المصري على أنه يفتقد إلى قدر كبير من التدريب». وتابع: «معظم طلاب الأزهر يتجهون للزمالة البريطانية من أجل الحصول على فرصة للسفر خارج مصر، حيث الأجور أعلى والظروف أفضل بكثير».
وقال الطالب محمد على، بسنة الامتياز، إن التدريب في سنوات الدراسة الأولى مقبول إلى حد ما، لأنه يتضمن فحص حالات مرضية يظهر عليها أعراض بسيطة، ولا نحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل فى المستشفيات بل نكتفى فقط بالنظر والمساعدة، «قد يكون دورنا أشبه بدور التمرجى إن صح القول، فنحن لا نتدخل فى العمل الطبى بالشكل الكامل».
وتابع: «أنا طالب فى سنة الامتياز ومن المفترض أن أعمل تحت يد طبيب خبير فى المستشفى، ولكن هذا لا يحدث، ومعظم الوقت أكون بمفردي أستقبل حالات في قسم الطوارئ، وأفاجأ بأن ما درسته فى الجامعة غير موجود في الواقع، وأشعر بصدم كبيرة، «أشعر أنني أهدرت 7 سنين من عمري».
وقال الطالب عبد الحميد محمود، أنا لا أجيد التعامل مع المرضى في المستشفى فى كثير من الأحيان بسبب قلة الخبرة العملية، و افتقاري للمهارات اللازمة، لكن أجد نفسي مجبرًا على التعامل مع المرضى، وتوقيع الكشف عليهم وتشخيص حالاتهم، وأنا فى الحقيقة لا أعرف ما الذى يعانى منه وهذا تحديدًا، وأنا أتحث هنا عن واقعة محددة تشهدها مستشفى الحسين الجامعي.
وتابع: على العكس من ذلك نجد فريق عمل متكامل في استقبال مستشفيات مثل الدمرداش وأحمد ماهر، هناك "تيم" يقوده نائب طوارئ موجود مع الطلاب المتدربين طوال الوقت، وفى بعض الأحيان يوجد فريق كامل من الأطباء المتخصصين بجانب المتدربين، وهذا يجعلنا نشعر باستفادة أكبر.
وأضاف: بالنسبة لمعامل المستشفيات بجامعة الأزهر، فنحن ممنوعون من دخولها نهائيًا، هي حكر فقط على أطباء التحاليل.
وقال محمود إبراهيم، طبيب امتياز، إن سنة الامتياز تعد فترة تدريبية، ومن المفترض أن تكون مدفوعة الأجر، لكن الجامعة تصرف مكافآت مالية متدنية للطلاب، وضرب مثلًا بجامعة كفر الشيخ قائلًا إنها تعطي طلابها ألف جنيه شهريًا، أما جامعة طنطا فتعطي طلاب الامتياز 400 جنيه، تم رفعها إلى 600 مؤخرًا، بينما القصر العيني والإسكندرية وغيرها من الجامعات لا تعطي شيئًا، أما جامعة الأزهر فتمنح طلابها 250 جنيهًا فقط.
وتابع: نفقات فترة التدريب أو سنة الامتياز أتحملها من مالي الخاص، وهو ما يجعلني كطالب في السنة الأخيرة أن أتجه للعمل الخاص، وأترك المستشفيات الحكومية، لأن وزارة الصحة تعامل طلاب الامتياز بمنطق لا يليق أبدًا. كما أن مديري التدريب يوزعون علينا تكليفات لسنا مؤهلين للتعامل معاها.
وأضاف أن معامل التحاليل يديرها أشخاص يعملون بشكل غير رسمي مع معامل خارجية وصيدليات، لتوجيه المرضى لهذه المعامل الخارجية والحصول على عمولة، وهو الأمر نفسه الذي يفعله أعضاء فرق التمريض داخل المستشفيات.
وأشار إلى أن بعض الأجهزة بمعامل المستشيفات الجامعية بها خلل، وتعطي نتائج غير دقيقة كما أنها تفتقر إلى القدر الكافي من التطور التكنولوجى، وأحيانًا يتشاجر المرضى مع أطباء الامتياز لإجراء التحليل في هذه المعامل، فنضطر لإجرائها لهم، ونحن نعلم أن نسبة الخطأ ستكون عالية، وبالتالي لن نتمكن من تحديد العلاج المناسب.

أساتذة .. التدريب «شكلي» لا يتعد الحضور والانصراف

رأى الدكتور محمد عبد الهادي، المدرس المساعد بكلية الطب، إن هناك إهمالاً فى تدريب طلاب الطب، مشيرين إلى أن هذا التدريب يكون في أغلبه «صورياً»، ولا يتعدى كونه «توقيع بالحضور والانصراف فقط».

وقال «عبد الهادي»: «المسئولية كلها تقع على النائب الذى يدير عملية تدريب الطلاب، والذي لا يعلمهم شيئاً، وهو ما ينتج عنه في النهاية خريج غير مؤهل للمارسة المهنة، لأن محلصة التدريب  (صفر)».

وكشف الدكتور محمد نصر الدين، المدرس المساعد بكلية الطب، أن شهادة الطب المصرية غير معتمدة فى أوربا أو الولايات المتحدة، وأن اعتمادها يحتاج إجراء «معادلة» أو «اختبار خاص» من الدولة التى يرغب الطبيب الصري في ممارسة المهنة بها، موضحاً أن ما يعادل ذلك فى مصر هو «المجلس الأعلى للجامعات»، والذى لا يسمح بمنح شهادة ممارسة الطب إلا بـ«معادلة» أيضًا، وهو ما يؤكد ضعف ما درسه الأطباء خلال 7 سنوات في الكلية.

وأضاف «قيمة الشهادة فى الخليج تساوى (صفر)، كأنك لم تدرس الطب من الأساس، لأن هذه الدول تطلب منك تقديم زمالة أوربية أو معادلة من دولة أخرى، ولا يحق لك القيد بأي من نقاباتها بدون الحصول على إحدى هاتين الشهادتين».وبَين أن من بين الدول التي يطلب الخليج الحصول على معادلة منها هي بريطانيا.

واتفق معه الدكتور مخلوف محمد مخلوف، المدير التنفيذى لـ«مركز الفكر والابتكار» بجامعة الأزهر، بقوله إن «طلاب الطب عمومًا يواجهون صعوبة فى السفر إلى الخارج، لحاجتهم إلى معادلة الشهادة التي حصلوا عليها من مصر للعمل فى أوروبا أو الخليج».

وكشف عن ارتفاع نسب الرسوب بين طلاب الأزهر فى أول «انترفيو» يواجهونه، بسبب ضعف تمكنهم من اللغات وخاصة «الانجليزية»، موضحاً:«طلاب طب الأزهر الأقل والأضعف من بين طلاب الجامعات المصرية في الالمام باللغة الانجليزية»

وأضاف «هناك أماكن ومؤسسات رسمية في مصر ترفض تعيين طلاب طب الأزهر، على الرغم من حصولهم على بكالوريوس بتقدير (جيد جدا)، وهو ما شاهدته بعيني في إحدى المؤسسات»، لذا نصح الطلاب بضرورة الحصول على «كورسات» فى اللغة أو المهنة نفسها، حتى لا يصبحوا ضحية لشهادتهم الضعيفة، مختتماً: «هناك بعض الأطباء لا يكتبون على لافتة عيادتهم بأنهم تابعين للأزهر».

الأعداد في المدرج تصل إلى 1200 طالباً

اعتبر أطباء أن الطبيب في مصر يتعرض للظلم بسبب المنظومة التي يعمل بها، والتي تضعه تحت ضغوط منذ دراسته في الكلية وعدم تلقيه التدريب الكافي فيها، وصولا لتخرجه وعمله في مستشفيات غير مجهزة لا توجد بها إمكانيات كافية كما كان متخيلاً.
الدكتور إكرام حامد، رئيس قسم الأشعة العامة بمعهد الأورام جامعة القاهرة، قال إن الطبيب المصري مظلوم، فهو يدرس 7 سنوات منها سنة الامتياز، ليتخرج ويجد التكليف الخاص به غير مكافئ لدراسته، ولا يعينه على ظروف الحياة.
وأضاف «حامد» «الطبيب المصري مجتهد ولا ينظر للظروف المحيطة به، ويحاول مجاراة تطورات العلم، ويبحث عن المراجع الأجنبية التي تدعم دراسته، ويحضر رسائل الماجستير والدكتوراه والزمالة، فهو على الصعيد المهني يطور نفسه بنفسه».
وتابع رئيس قسم الأشعة: «سفر الأطباء إلى الخارج بعد معادلة درجاتهم العلمية بما يتناسب مع طبيعة العمل بالدولة المتجه إليها خير دليل على اجتهادهم، كما أن لدينا أطباء مصريين يشهد لهم بالكفاءة والمهنية على الصعيد العالمي».
من جانبه، قال الدكتور محمد محمود، أستاذ بقسم الباطنة، إن الأطباء يتعرضون للظلم من جميع النواحي، سواء من أهل المرضى أو «السوشيال ميديا» أو الصحف، موضحا: «في حالة حدوث أي خطأ للمريض بسبب حالته الصحية، أو وجود مشكلة في الإمكانيات بالمستشفى، يكون السبب الرئيسي في المشكلة هو الطبيب، حتى وإن كانت المشكلة حدثت بسبب سوء حالة الأجهزة الطبية، وهذا يشكل ظلما واضحا وصريحا لنا».
وأضاف «محمود»: «كأطباء لسنا ملائكة بدون أخطاء، فمن المؤكد أن هناك قدرا من الإهمال، ومن يثبت بحقه التقصير يحول للجنة تأديبية ويحاكم، ولكن لا تعمم القاعدة على جميع الأطباء»، ناصحاً: «قبل الحكم على مستوى الطبيب، لا بد من النظر إلى المنظومة التي يعمل بها، ومستوى التعليم الذي تلقاه داخل كليته، ومستوى الإمكانيات داخل كليات الطب في مصر، وأعداد الطلاب بها، إذ تصل الأعداد بالمدرج إلى 1200 طالب وطالبة، فضلاً عن الظروف التي يعمل بها بعد تخرجه».
وتابع: «في كليات الطب، يتدرب أكثر من 70 طالبا على حالة واحدة بالمشرحة، رغم أنه من المفترض أن يفحص كل طالب حالة بمفرده، وبدقة».
فيما قال الدكتور أحمد فتحي، أستاذ بجراحة المخ والأعصاب، إن الدروس الخصوصية هي المقياس في نجاح الأطباء بالكليات، لكن عددا قليلا من طلاب الطب لا يأخذون هذه الدروس بسبب ظروفهم المادية، مضيفة «أغلب طلاب الطب في مصر ينجحون بالدروس الخصوصية، سواء كانت نظرية أو عملية، داخل أحد المراكز المجهزة بأدوات وإمكانيات طبية، مثل مراكز الثانوية العامة».
وأضاف «فتحي» أن تكلفة الدروس الخصوصية كانت تصل إلى 7 آلاف جنيه، في عام 2010، موضحا: «كنا مجبرين على الدروس الخصوصية حتى نحصل على مجموع تراكمي عال، وبالتالي لا نوزع على الواحات والأماكن البعيدة».
من جانبها، قالت إحدى إخصائيات الأشعة، إن من أبرز المشكلات التي تواجهها هي اختلاف المسميات الوظيفية بين العاملين في المجال الصحي، موضحة: «نستكمل دراستنا لمدة 4 سنوات بعد حصولنا على الثانوية العامة، ثم نجد أن المسمى الوظيفي هو (فني أشعة)، ونجد تعاملا متدنيا من قبل المرضى، كما أن التعامل معنا من قبل الأطباء في بعض الأحيان يكون غير مهني، ويقللون من شأننا».

عمداء الكليات ورؤساء الجامعات يضعون روشتة للنهوض بدراسة الطب في مصر

وضع عمداء كليات الطب ورؤسات الجامعات، روشتة لعلاج أزمات دراسة الطب في مصر، وسبل إصلاح مناهج التعليم، وآليات التدريس، كما حددوا عدة محاور لتأهيل الطلبة لسوق العمل، بهدف تلافي الأخطاء الطبية التي تحدث في المستشفيات من حين لآخر. 
وأوصى العمداء ورؤساء الجامعات، بتوفير أعداد كبيرة من المراجع للدارسين، لتوسيع مدارك الطلاب وأفق خبراتهم، وإتاحة تدريب الأطباء وتأهيلهم عبر الاحتكاك المباشر بالنواب والمدرسين المساعدين، مهنيًا أو أكاديميًا، واكتساب الخبرات من الأجيال الأكبر.

1- تقليل أعداد الدارسين سنويا وإعادة توزيعهم على الكليات وفقا لقدراتها الاستيعابية

طالب الدكتور فتحي خضير، عميد طب قصر العيني السابق، بتقليل أعداد الدارسين بكليات الطب لضمان تخريج طبيب جيد، لا يقع في أخطاء مهنية بعد التخرج، معتبرا أن العدد المثالي للدارسين لا يزيد عن 500 سنوياً.
واقترح «خضير» لحل أزمة الأعداد، إعادة توزيع الطلاب على كليات الطب بالجامعات، وفقًا لقدراتها، مع زيادة عدد الكليات.
ورأى أن دراسة الطب صعبة للغاية، لأنها تتطلب طلابا متميزين ومتفوقين وذوي أذهان صافية، قائلا: «أنا كنت أتعامل مع الطلاب وكأنهم أولادي حتي أستطيع توصيل المعلومة لهم، وتوفير كل الأجهزة والمتطلبات».
وواصل: «صحيح أنه لا يوجد في مستشفي قصر العيني، أجهزة مثل الموجودة في مستشفيات دول أخرى، لكن نحن نؤدي واجبنا على أكمل وجه، لتخريج طالب طب يمكنه العمل في الخارج دون أي صعوبات».
 وأضاف أن نظام الدراسة بكليات الطب الجديد، يساعد كثيرا  في عملية التأهيل، ويهدف بشكل واضح إلى تطوير التعليم الطبى فى مصر، واعتماده دوليًا، حتى يتمكن الخريجون، من العمل فى الخارج بمهارة واحترافية، دون الحاجة لأداء أية اختبارات إضافية، إذ أن الخريج سيحصل على تدريب لمدة عامين في كليته.
وأشار إلى أن النظام الجديد يتضمن تقسيم الدراسة إلى ٥ سنوات، ٣ للتعليم الطبى الأساسى، و٢ للإكلينيكى، مع إضافة نظام الساعات المعتمدة.
وكشف «خضير»، أنه فى دراسة أجريت عام ٢٠١٣ بإنجلترا، كانت نسبة حدوث الأخطاء المهنية بين الأطباء المصريين العاملين فى المستشفيات الإنجليزية الأقل، مقارنة بزملائهم من جنسيات أخرى.
فيما رأى الدكتور حسام عبد الغفار، أمين عام اللجنة العليا للمستشفيات الجامعية بالمجلس الأعلى للجامعات، أن  تطبيق نظام «البورد المصري» كبديل عن «الماجستير»، من شأنه ضبط عملية المتابعة والتقويم الداخلي للدارسين، والخريجين.
وكشف «عبد الغفار»، أن المجلس، يسعى بدأب لتطبيق «البورد المصري»، منذ عامين، وتوصلت  لجنة القطاع الطبي، إلى آلية لذلك، الأمر الذي من شأنه إحداث تغيير شمل في نظام الدراسة، وتأهيل الأطباء المصريين استخدام الأساليب ذاتها، التي يدرسها الأطباء حول العالم.
وعن الفرق بين «الماجستير» و«البورد»، نوه إلى أن الأول يعتمد بشكل كبير على الناحية النظرية في الدراسة، عبر أداء امتحانين ورسالة علمية يمنح الدارس من خلالها الدرجة، أما «البورد» فعبارة عن مجموعة من البرامج المتكاملة الجديدة، التي تعتبر بمثابة شهادة مهنية وليست أكاديمية مثل «الماجستير»، خاصة في الأقسام الإكلينيكية، بغرض توحيد الشهادة المعطاة للطبيب.
أما الدكتورة هالة صلاح عميدة طب قصر العيني، فاعتبرت مستوى خريجي الطب، مساويا لمستوى أي طالب في أي دولة حول العالم، رغم قلة الإمكانيات المادية والأجهزة الموجودة في الكليات.
وكشفت أن طالب الطب في مصر، يكلف الدولة ٦٥ ألف جنيه فى السنة الواحدة، بواقع 500 ألف جنيه بطول فترة الدراسة، فيما يدفع الطالب منها ٤٠٠ جنيه فقط فى السنة الواحدة، في حين توفر الكلية بعض مستلزمات الدراسة للطلبة الفقراء.
ونوهت إلى أن المريض المصري -وفقًا لمنظمة الصحة العالمية- يحتل المركز الـ٣٠ على العالم، فى الحصول على الرعاية المرضية اللازمة.

2- السماح للأساتذة بالعمل الخاص داخل الحرم الجامعي وإعادة النظر في منظومة الإجازات

شدد الدكتور عبد الوهاب عزت، رئيس جامعة عين شمس، أستاذ الجراحة العامة بالجامعة، على ضرورة توفير عدد كبير من المراجع للدارسين، لتوسيع مدارك الطلاب وأفق خبراتهم، ولكي يكون لديهم أكثر من مصدر لتلقي المعلومات.
وذكر أنه على سبيل المثال، يدرس طلبة قسم الباطنة العامة، أمراض الكبد والطحال، والدم، وكذلك الروماتيزمية، الأمر الذي يحتاج إلى مراجع كثيرة في المنهج الدراسي، منوها إلى ضرورة أن يكون هناك مستوى واحد لجميع الخريجين، ليكونوا مؤهلين للحصول على ترخيص مزاولة المهنة، وضبط العمل الطبي في المستشفيات.
وأوضح «عزت»، أنه لا يوجد منهج موحد للتدريس في القطاع الطبي للتدريس في كليات الطب، مشيرا إلى أن الأستاذ الجامعي، مطالب هو الآخر، بتلقين الطالب المعلومة بسهولة ويسر.
وذكر أن مستوى الخريج أو الطالب بشكل العام، لا يعتمد على ما يتم تدريسه في المناهج، أو داخل جدران الكلية، مطالبا بتأهيل الدارس، ليكون شخصًا سويًّا، يستطيع أن يتعامل مع الطوارئ والأزمات، وأن يؤدي عمله باحترفية لا يشوبها شائبة.
وقال إنه عندما كان طالبًا في كلية الطب، كان يتعلم من أساتذته إلى جانب المناهج والدراسة، أمورا وتجارب حياتية، أثقلت من قدراته وأهلته ليكون في الوقت الحالي قائدا في مكانه ومنصبه الذي يشغله.
وواصل: «عقل الطالب من الفئة العمرية من 18 إلى 23 عامًا، به جزء فارغ، ومن ثم الجامعة عليها دور هام في ملء هذا الجزء بأمور مفيدة، لأن هناك من ينتظر ملءه بأفكار سيئة أو ضارة، بالتالي أصبح لازمًا علينا أن تكون الأنشطة الطلابية ذات مجهود ضخم، لشغل ذلك الجزء؛ وبناء شخصية قوية للطالب».
وعن تأهيل الطبيب لسوق العمل، قال «عزت» إن الجامعة عليها دور كبير في تأهيل الخريجين، من خلال تطوير البرامج الدراسية المختلفة، والتعاقد مع شركات علمية عالمية لتوريد الأجهزة لمواكبة ما يحدث في الخارج، إضافة إلى توفير المهارات الشخصية والحاسب الآلي لثقل خبرات الطالب علميًا وشخصيًا وقياديًا.
وأكد أن مصر تزخر بالأطباء الذين يسهمون في مجال الطب عالميا، معتبرا مستوى الطبيب المصري جيد للغاية، مشيرًا إلى أن هناك عمليات جراحية كبيرة تقام في الخارج، يجريها أطباء مصريون معروفون، أبرزهم الدكتور عبد الفتاح سعود، نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، والذي سجلت باسمه 3 طرق لإجراء العمليات في الكتب والمراجع الطبية.
وشدد على أن تدريب الأطباء وتأهيلهم ليكونوا أساتذة فيما بعد، ليس مثل «ملعقة الدواء التي تُعطى فتُشفي»، لكنها عملية لا تتحقق إلا بالاحتكاك المباشر بالنواب والمدرسين المساعدين سواء مهنيًا أو أكاديميًا، وكتساب الخبرات من الأجيال الأكبر.
من جهته، قال الدكتور محمود المتينى، عميد كلية الطب بجامعة عين شمس، إن نظام التعليم الطبي الجديد، يرفع مستويات وخبرات خريجى الكليات، لأنه يفرض على الطالب أن يتلقى تدريبا لدة عامين، بدلا من «سنة الامتياز الواحدة»، بما يحد من الأخطاء المهنية التي ترتكب بعد التخرج، كما تؤهله للعمل بالخارج بشكل احترافي، ودون الحاجة للحصول على معادلات علمية للمساواة بالأنظمة الدولية.
وذكر أن الطالب في النظام الجديد، لن يضطر إلى الحصول على درجة الماجستير، أو أن يقضي فترة كباحث، حتى يستطيع مزاولة المهنة، لكنه في سيتمكن من بدء العمل بعد أداء امتحان موحد، وحصوله على «البورد»، الأمر الذي لا يجعل هناك أي فرق بين مستوى النظام المصري ومثيله بالخارج.
وأضاف «المتيني»: «نحاول تقليص أعداد الطلاب بكليات الطب حتي نتمكن من تخريج طلبة متميزين، وحتي نستطيع تطبيق برنامج التعليم الجديد بصورة جيدة، كما يجب ألا يزيد عدد الطلاب في المحاضرة عن 40 أو 50 طالب، حتي تصلهم المعلومة صحيحة».
واعتبر أنه من أهم مشاكل كليات الطب في مصر، عدم تفرغ أعضاء هيئة التدريس، بما يؤثر سلبا على تعليم الطلاب وتدريبهم عملياً في فترة الامتياز.
وأرجع أزمة عدم تفرغ الأساتذة، إلى عدم توفير الإمكانيات المادية التي يتلاقوها في عملهم الحكومية، في مقابل ما يتلقونه في عيادتهم الخاصة.
وطالب بإعادة النظر فى منظومة الإجازات المقررة فى قانون الجامعات، بحيث يتماشي مع عمل الأساتذة كأعضاء هيئة تدريس أو أطباء لهم حقوق في العمل بعيادتهم الخاصة أو السفر لمؤتمرات علمية دولية.
وطالب بتغيير منظومة التدريس فى المستقبل القريب، لأنها تحتاج إلى إعادة نظر في العائد المادي الذي يأتي منها، مع السماح للأساتذة بالعمل الخاص، لكن داخل الحرم الجامعى، عبر توفير عايدات داخله، حتى لا تهدر أوقات الأطباء فى الخارج.

3- تقديم دورات صيفية وتوفير التدريب المبكر بدءًا من الأعوام الأولى للدراسة

كشفت الدكتورة نيرة مفتاح عميد كلية طب البنات بجامعة الأزهر بالقاهرة،  عن بدء تقديم تدريبات للطالبات حول «كيفية كتابة التقارير الطبية ومكافحة العدوى والإنعاش والإسعافات الأولية»، ضمن  النظام الجديد للتدريس، خلال العام الأول للدراسة، فضلا عن تقديم مهارات في اللغة.
وقالت «مفتاح» إنه تم تدريب الطالبات عبر تنظيم «يوم علمي» لهن بشكل دوري، لاكتساب خبرات التقارير، وتوفير الدقة في كتابتها، وإجراء عمليات محاكاة للعمليات الجراحية، وكيفية تعاملهن مع المرضى، وتضمنت الكثير من المعلومات في علم الأمراض والأدوية.
ولفتت إلى احتواء معامل الكلية على أحدث الأجهزة، والتي تمكنها من إجراء كل أنواع التحاليل، مضيفة: «نجري تدريبات لطلبة كليات الصيدلة في فترة الامتياز، وكليتنا لا تختلف كثيرا عن مثيالتها في الجامعات الأخرى، وزارت لجنة من المجلس الأعلى للجامعات مقرها، وأشادت بمستوى الطالبات».
وذكرت أن الكلية تتيح العديد من الأنشطة والفعاليات للطالبات، بالتعاون مع الوزارات المختلفة، منها تدريب 5 آلاف طالب على مهارات الكمبيوتر والاتصال والخبرات الثقافية والرياضية، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.
وكشفت عن تخصيص يوم للطالبات، ليمارسن فيه مختلف الأنشطة الرياضية، فضلا عن تخصيص رحلات في نهاية الفصلين الدراسيين الأول والثاني.
فيما كشف الدكتور أحمد سليم عميد طب بنين بالأزهر بالقاهرة، عن إنشاء معمل محاكاة بالكلية، به الكثير من الأجهزة التي تحاكي أي مرض، لتدريب الطلاب علي كيفية التعامل معها، مشيرا إلى أن النظام الجديد، يضمن نزول الطلاب للمستشفيات بدءا من السنة الأولى للدراسة.
ونوه إلى تقديم دورات للإسعافات الأولية للطلاب في الصيف، وتقسيمهم إلى مجموعات للعمل في أقسام «الطوارئ والاستقبال»، للاحتكاك بشكل أكبر مع الجمهور.
واعتبر الطبيب المصري «هايل جدا» في المعلومات النظرية، لكن ينقصه التدريب، موضحا أنه تم التغلب على تلك العقبة، عبر توفير التدريب المبكر بدءًا من الأعوام الأولى للدراسة بالكلية، مشيرا إلى أن المناهج لا تختلف عن ما يقدم في الكليات العامة إلا في المواد الشرعية، وعدد ساعات الدراسة.
وتابع: «تم تحديد 10 طلاب لكل أستاذ بالكلية، لبحث مشكلاتهم الخاصة بالدراسة، وتوصيلها للإدارة، فضلا عن عمل محاضرات تقوية في المواد التي يشكو الطلاب من صعوبتها، وإنشاء بريد إلكتروني لكل الطلاب، ليمكنهم من الدخول على موقع بنك المعرفة، للحصول على أي معلومات طبية، والتعرف على أحد الكتب في هذا المجال، بما يوفر مجهودا بدنيا ومدنيا».
ولفت إلى تنظيم زيارات لكلية الطب التابعة للقوات المسلحة، لمعايشة زملائهم هناك، ومشاركتهم في جميع الأنشطة، بهدف تعريف الطلاب بالمؤسسة العكسرية، وإكسابهم ثقة بالنفس والانتماء للوطن.
وأضاف أن الكلية تقيم الكثير من الأنشطة وتقدم خدمات مميزة لطلابها، أبرزها إقامة معارض للملابس المخفضة، بحيث يشتري الطالب قطعة بـ10 جنيهات، ويحصل على قطعة أخرى مجانا، مشيرا إلى أن أحد أعضاء هيئة التدريس تكفل بشراء ملابس جديدة للطلاب والطالبات.
ونوه إلى تنظيم رحلات باستمرار للطلاب، كان آخرها للأقصر وأٍسوان قبل أيام، فضلا عن النشاط  المميز لرعاية الشباب بالكلية، مضيفا: «يدرس بالكلية طالب يدعى مصطفى، حصل على بطولة الجمهورية لكمال الأجسام، والكلية تتيح للطلاب المشاركة في وضع جداول الامتحانات والمحاضرات».
وقال الدكتور راشد محمد راشد عميد كلية طب البنات بجامعة الأزهر، إن طبيب الامتياز يحصل على تدريب لمدة شهرين في قسم النساء، وشهرين آخرين في الجراحة الجراحة، ومثلهما في الأطفال، وكذلك في الباطنة، ويتبقى له في العام 4 أشهر، يختار خلالها التدريب في المادة التي يرغب في أن يتخصص فيها، مشير إلى أن ساعات التدريب، تحدد طبقا للقسم وطبيعة العمل داخله، إذ يختلف العمل بقسم الجراحة عن الجلدية على سبيل المثال.
وأضاف «تتم إتاحة الفرصة للطالبات في مرحلة الامتياز، للتدريب قبل الحصول على ترحيص مزاولة المهنة، وبداية من العام الجاري، سيتم تطبيق النظام الجديد (5+ 2)، وهو عبارة 5 سنوات دراسة، وعامين للتدريب، يتم بعدها عمل امتحان قومي على مستوى الجمهورية، ومن يجتاز الامتحان يحصل فورا على شهادة المزاولة».
وذكر أن المعامل والأشعة في الكية على أعلى مستوى، ويوجد بها كل الأجهزة، من أول السونار العادي، وحتى رباعي الأبعاد، مرورا بالإيكو وأشعة القلب بأنواعها والمقطعية والرنينىن المغناطيسي.
وقال إن الكلية تسعى خلال الفترة المقبلة، لإنشاء مدينة جامعية للطالبات من المحافظات الأخرى، حتى لا يتكبدن مشقة السفر يوميا، وتوفير أنشطة لهن.