السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
مدارس

د. الهلالي الشربيني يكتب: حروب الجيلين الرابع والخامس وتحديات الأمن القومي

كشكول

مصطلح "حروب الجيل الرابع"، هو مفهوم وضعه فريق أمريكي برئاسة ويليام لاند عام 1989، واستمر العمل به حتى ظهور مفهوم "حروب الجيل الخامس" فيعام 2010، ويعرفه ماكس ج مانوارينج، بأنه يعني "الحروب التي تعتمد على إفشال الدولة وزعزعة أمنها واستقرارها ثم فرض واقع جديد عليها"، وتعتمد هذه الحروب بالأساس على تفتيت الأمم من الداخل، وتقسيم جيوشها  إلى فرق وميليشيات، والوقيعة بينها وبين الشعب.

ويتم التركيز فى هذه الحروب، على الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات فى إدخال تغييرات أساسية على الصورة المألوفة للحروب، من خلال نقل الحرب إلى منطقة ضبابية تقع بين العمل العسكري والعمل السياسي ويقوم بالحرب فيها مقاتلون أو سياسيون أو كلاهما معًا، وتستخدم فيها أيضًا وسائل الإعلام والتعليم ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة السياسية، وغالبًا ما تدار بواسطة المعارضين في دولهم، وتستخدم فيها تكتيكات مختلفة استنادًا على قاعدة غير وطنية أو عبر الأوطان. 

وتتميز هذه الحروب، بعدم وجود تسلسل هرمي،  فهي تدار بشكل لا مركزي، وتعتمد على أساليب التمرد وحروب العصابات، وتطبق فيها أحدث نظريات علم النفس بهدف التلاعب بنظم ووسائل التعليم والإعلام، فهي تستخدم جميع الضغوط المتاحة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا. 

ويتميز من يقومون بتنفيذ هذه الحروب، بعدم وجود تركيب تنظيمي هرمي مُقنن لهم، وبالمثابرة والصبر والمرونة والعمل بعيدًا عن الأضواء عند الحاجة، وصغر حجم عناصرهم وقد يلجأون لتكتيكات مسلحة أو أعمال إرهابية ضد البنية التحتية للدولة المُستهدفة.

وفى عام 2010، بدأت مجموعة من المفكرين الأمريكيين المهتمين بموضوع الأمن القومي، تضم دبلوماسيين وعسكريين، وقانونيين، وضباط مخابرات وخبراء إنترنت، وتواصل اجتماعي، ومعهم علماء نفس، وعلماء اجتماع، وأكاديميين متخصصين فى العلوم السياسية، واتفقوا على أن حروب القرن الواحد والعشرين، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تتطلب نظرة مختلفة عما كان يحدث في حروب الماضي. وقد تمخضت اجتماعات ودراسات هذه المجموعة عن ظهور مفهوم حروب الجيل الخامس.

وتعرف هذه الحروب، بأنها حروب أفكار، وتدار بأسلوب التدمير الفجائي لقوى الخصم معنويًا ونفسيًا، بإطلاق عملية من شأنها إشاعة الإحباط ونشر مشاعر الخوف، وفقدان الثقة بالنفس لدى أفراد المجتمع، وتجاه قادته السياسيين، من خلال:

- إطلاق معلومات مجهزة والترويج لها على شبكات التواصل عبر شبكة الإنترنت.
- خلق مجال تواصل افتراضي يسمح، بإضافة معلومات من جانب المستخدمين حتى يكتمل التأثير العام.
- إيجاد شبكة متقاربة مع بعضها من المتابعين لهذه العملية.
- السيطرة على أي تدفق لأى معلومات مضادة  للعملية.

وإذا كانت الحروب القديمة لها ميادين على الأرض، وفي البحار والسماوات، فإن حروب الجيل الخامس كامتداد لحروب الجيل الرابع، يكون ميدانها الفضاء الإلكتروني، وتدار بقيادة من خبراء متخصصين، متعددي المهارات والمعارف، والخبرات، على المستويات العسكرية والمدنية.

وتتم هذه الحروب، من خلال النفاذ إلى وسائل التواصل الاجتماعي باحترافية عالية، وزرع أفكار تستهوي البعض ممن يستخدمون هذه الوسائل، ويتأثرون بخطابها، ويعتبرونها مصدرًا مهمًا للمعلومات، ويمكن دفعهم من خلالها لتبني أفكار معينة يتم الدفع بها إليهم للسطو على عقولهم وتحويلهم إلى جبهة داخلية معارضة في بلادهم، تساعد على إدخال دولهم فى حروب أشباح صغيرة ومتوسطة تستنزف طاقاتها داخليًا وخارجيًا.

وفي ضوء ما تقدم يتضح  أن حروب الجيل الرابع والجيل الخامس، هى حروب يسعى فيها العدو لاحتلال العقول بدلًا من احتلال الأرض أو البحر أو الجو، وبعد أن يتمكن من احتلال عقلك بدلاً من احتلال أرضك، يبدأ فى توجيهك  لتتكفل أنت بتنفيذ باقى المطلوب، من خلال دفعك للدخول فى معارك لا تعرف فيها خصمك الحقيقي، تطلق فيها النار في كل اتجاه لكنك لا تصيب عدوك الحقيقي.

إنها حروب تستخدمك أنت في تدمير أهلك ووطنك بالوكالة لصالح طرف ثالث في مكان أخر خارج الميدان، يشاهد عمليات التدمير التى تتم والانتحار الجماعي الذى يحدث ويضحك ساخرًا منك ومن أمثالك، وهذا ما يحدث بالضبط في ميادين الحرب الموجودة بطول المنطقة العربية وعرضها حاليًا.

ومع وجود كل هذه التحديات  يشير الواقع إلى أن العرب – للأسف - لم يتفقوا يومًا على مفهوم الأمن القومي العربي الشامل؛ حيث إن كل بلد عربى يحدد ملامح الأمن القومى العربى وعلاقته بأمنه الوطنى حسب مفهومه واحتياجاته وتحالفاته، الأمر الذى يترتب عليه حاله من الغموض والضبابية لدى الجميع؛ فالكل لا يعلم بالتحديد من أين يبدأ الأمن القومي العربي وأين ينتهي، ومتى يبدأ أمن كل دولة منفردة ومتى ينتهي، وكيف ومتى وأين يتم الإنحياز لأحدهم على حساب الأخر ولماذا، يحدث كل هذا في وقت بات فيه لكل الدول ولجميع التكلات والتحالفات في العالم مفاهيم واضحة المعالم والحدود لأمنها القومي ، وفى ظل هذا الوضع لم يتم بناء نظام تعليمى أو إعلامى قوى وتوظيفه لإحداث حالة مستقرة ودائمة من الضبط الاجتماعى تكون أساس متين لتثبيت دعائم الأمن القومى العربى الشامل.