الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

عميد "الدراسات العليا" السابق بجامعة الأزهر:الإعلام الديني "هش" وبرامجه خطب ومواعظ

كشكول


عميد "الدراسات العليا" السابق بجامعة الأزهر:

_"الجيش والشرطة" فقط يواجهان الإرهاب والمجتمع بلا "رؤية فكرية"

_ الإعلام الديني "هش" وبرامجه خطب ومواعظ

_ لو كان تأثير "العلماء" قويا لقضوا على الإرهاب والتطرف

_ خريج الأزهر يحتاج راتب مناسب حتى يتفرغ للدعوة

_ لا يجب أن نبحث إصلاح العالم مـن حولنا ونحن نعاني في الداخل

_ تطور مناهج الأزهـر وطلابه لتواكب العصر أهم من انشاء كليات جديدة

الطالب يحتاج مناهج مطورة ليواكب العصر وليس لأنه يدرس ما ينشر التطرف

 

اعترف الدكتور محمد سالم أبو عاصي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية والعميد السابق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر، بأن مؤسسات المجتمع لاتزال غير قادرة على إنتاج خطاب فكرى يواجه الإرهاب والتطرف. لافتا إلى أن من يواجه الإرهاب حتى هذه اللحظة هو مؤسستا الجيش والشرطة فقط.

وفي حواره معنا، أكـد"أبوعاصي" أن الأزهر يُحاول تطوير نفسه وإصلاح العملية التعليمية في كلياته ومعاهده، مشيرا إلى قناعته بأن الطالب الأزهري يحتاج إلى مناهج جديدة ليواكب العصر وليس لأنَّ مناهجه الحالية تنشر التطرف.

لكنه هاجم أسلوب وأداء علماء الدين في مواجهة الإرهاب معتبرا أنه "غير مؤثر" رافضا أداء ما أسماه "الإعلام الديني" ووصفه بـ"الهش" الذي يقدم حكما ومواعظ أكثر مما يشتبك فكريا مع دعاه التطرف..

كما تطرق إلى مشاكل مناهج الأزهر وطلابه أيضا، مشددا على أن إصلاح الخارج يبدأ من الداخل.. وإلى نص الحوار..

·       يُحمِّل البعض الأزهر كثير من القضايا رغم أنها تحتاج إلى عمل مؤسسات.. كيف ترى ذلك؟

-        الأزهر مؤسسة دعوية، تقـوم بواجبها لكن أي مؤسسة ليست معصومة، وفيها بعض الخـلل، لكن الأزهر يحاول إصلاح ذلك، بتعديل مناهج التعليم وتطوير الخطاب الديني ومواجهة التطرف والإرهاب، لكني دائمًا أرى أن مواجهة الإرهاب ليس مهمة الأزهـر فقـط، بل الأمـر متعلـق بمؤسسات عـدة منها الإعـلام ووزارتي الثقافة والأوقـاف والنخـبة المثقفة والكـنيسة، ولابد عليهم جميعًا أنْ يجتمعوا لوضع ورقـة عمـل مشتركة تحـتوي على كـيفية مواجهة الإرهاب، لإنها الخـطوة الأولى للإصلاح. وحاليا أرى أنَّ الجيش والشرطة فقـط من يواجهان الإرهاب، إنَّما النخبة المثقفة في المجـتمع والمؤسسات الأخرى تحتاج إلى رؤية.

·       وكـيف ترى التضارب في الآراء حول كيفية إصلاح التعليم؟

-        البعض يقول إن إصلاح التعليم يكمن في حذف الأشياء القديمة وآخرين يُطالبون بالتعليق على القديم دون حذفه، لكن يجب الاتفاق أولًا على ماذا تريد المؤسسة التعليمية، خاصة أن القضاء على التطرف والإرهاب يكون عبر إصلاح التعليم، لأنه الخطوة الأولى والأهم في المواجهة، حتى نبين للأجيال الناشئة مـنذ الصغـر خطـورة التكـفير وتصحيح مفاهيم "الجهاد والحاكمية والدولة المسلمة وغير المسلمة"، وبالتالي يكون لدى أجيالنا حصانة دينية وثقافة فـي مواجهة الإرهاب.

·       وإلى ماذا نحـتاج حتى نطـوِّر التعليم بطريقة تواكـب العـصر؟

-        الأمر يحتاج إلى اجتماع لمؤسسات التعليم العالي، والتربية والتعليم، وقطاع المعاهد الأزهرية، ووضع آلية تناسب الوقـت الحاضر والمستقبل. ولا بد وضع الأساس أولا، لأن قضية التكـفير في منتهى الخطورة فكـل هـذا الإرهاب الذي مـن حولنا نابع مـن التكفير، ولابد للطالب في الابتدائية أن ينشأ على أن التكفير جريمة، بتصحـيح مفاهيم الجهاد، ومواكبة العصر وأموره. كما أن التـراث يحتاج إلى تنقية، وفيه مـن الكـنوز الثمينة القوية ما نستطيع أن نبني عليه، لكنه رغـم ذلك ليس معصومًا.

·       وفي تقديرك، ما الطريقة الأمثل لمواجهة التطـرف ؟

-        علينا التركيز على الخطاب الفكري، وتوعية المجتمع، بالتوازي مع خطاب تعليمي يواجه التطـرف والإرهاب، لأن القضية ليست خاصة بالجيش وحده. كما أن الإعلام إلى الآن لم يواجه الإرهاب، وكلما وقعت حادثة يستدعي مشايخ وعلماء ليتحدثوا عـن التطـرف فقـط، ويقولون إن الإسلام دين وسطية وليس إرهاب رغـم أن الناس كافة يعلمون ذلك تمام العلم، لكن لا نجد برنامجًا في قناة يؤصل القضايا تأصيلًا علميًّا ويشرحها بحيث يفهم الناس في البيوت ما هو الجهاد ومتى يكون ومتى لا يكون، ويفهمون ما معنى الحاكمية وما معنى الدولة المسلمة، لكن من المؤسف لا نجد حلولا جذرية، خاصة أن أول نخبة تُساعد على الإرهاب والتطرف بعضهم في الإعلام.

 

·       وما الحل الأمثل لتجنب أثار "الإسلاموفوبيا" عند الدعوة لتطبيق الإسلام الصحيح في أفعالنا؟

-        لا يجب أن نبحث عن إصلاح العالم مـن حولنا ونحن نعاني من مشكلات في الداخل، فيجب أن نسعى إلى نشر الإسلام الصحيح في الداخل، لأننا إذا نشرنا الإسلام الصحيح ستنتهى كـل الدعاوي الغربية. فعند نشر الصحيح يتلاشى الباطل والضعيف، ولهذا يجـب أن تُنتشر الصورة الصحيحة للإسلام، لأنه ليس دين عنف ولا دين إرهاب أو تطرف، والشيخ محمد الغزالي كان يقول "إنَّ الإسلام قضية عادلة لكنه وقع في أيدي محامين فاشلين"، ونحن لدينا كنوز في الإسلام لا نعرف كيفية عرضها، وتوصيلها إلى العالم كله.

·       يُردد البعـض أن عـدم تأسيس الطالب الأزهـري جـيدًا يجـعل منه متطـرفًا؟

-        لا أوافـق على هـذا، لأن الأزهـر عـبر السنين لم يُخرِّج طالبا متطرفا، فهـو مـن خرَّج الإمام محمد عبده، والشيخ محمد مصطفى المراغي والشيخ محمود شلتوت ومحمد الغزالي ومحمد متولي الشعراوي وعبدالحليم محمود.

كما نجد أن جامعة القاهرة وهي ليست أزهرية لكن بها متطرفين، والأمر يكمن في إفراز مُجتمع وليست قضية خاصة بالأزهر، لكن رغم ذلك أيضا الطالب الأزهري يحتاج إلى مناهج جديدة، وإصلاح حتى يتطور ويواكب العصر؛ وليس لأنَّ مناهجه تنشر التطرف.

 

·       وهل ترى حاجة لإنشاء مزيد من الكليات في جامعة الأزهر لتخريج عدد أكـبر مـن الأزهريين؟

-        الأزهـر مُطالب بإحداث حالة مختلفة في التعليم، وذلك ليس بكـثرة الكـليات، فالأهـم هـو الكـيف وليس الكـم، والمهم هـو تخريج طلاب على مستوى من العلم والثقافة وإدراك للواقـع والنص والمآلات والمصالح والمقاصد والمنهجية.. كـل هـذا عندما يتكون لدى الطالب يستطيع مواجهة التطرف، لأنَّ المتطرفين لا يفهمون ما هـذه الأشياء ويفهمون آيات الله فهمًا خاطئًا نتيجة جهلهم بكـل ما يساعد على التفـسير.

·       وكيف يتم تحصين الطلاب ضد التطرف؟

-        لا بد من مجهود أكبر، لأن أي جامعة في العالم وظيفتها البحث العلمي والتعليم وخدمة المجتمع ولا بد من ندوات ومؤتمرات وتفعيل ما يتم تعليمه والتطبيق على أرض الواقع، ولا بد من أبحاث تخدم المجتمع، وفتح الملفات بشكل حـقيقي مثل الاعتداء على الكنائس وحرقها، فلا بد من التغيير في التعليم مع المحافظة على الثوابت في الديانتين الإسلامية والمسيحية. وكذلك حين يتم الاعتداء على المساجد، فلابد أن نجتمع ليل نهار حتى نبحث الأسباب ونقضي عليها. ومن المؤسف أن نجد الإرهابيين يتحدثون بنصوص قرآنية، رغم أنهم يفهمونها فهمًا مغلوطًا، على عكس ما يعتمد عليه الشيخ أو العالم الذي يظهر خلال الفضائيات حيث يتحدث، لكن أيضا بدون مواجهة حقيقية قوية. كما يجب دراسة ونقد فكـر سيد قطب والتكفيريين، من خلال كتب تُوزَّع على الشباب في الجامعات.

·       وماذا يحـتاج خـريج الأزهـر ليكـون إمامًا قويًّا؟

-        يحتاج إلى ثقافة أكثر ومعيشة كريمة وراتب مناسب، وأن يتفرغ للدعوة، ليس إلَّا، فالملاحظ أنَّ أكثر من يتخرجون من الأزهر يعملون أي عمل آخر، فأغلبهم يترك الثقافة والتعليم ويبحث عن عمل مختلف حتى يعيش عيشة كريمة.

·       ما أخطر الأفكار التي تُهدد الشباب؟

-        هناك إرهابيين حملوا السلاح ولا علاج معهم إلَّا بالسلاح، ولكن لدينا شباب في الجامعات لا يعرفون شيء، لذا يجب حمايتهم، حيث يتم استقطابهم من جانب الإرهابيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما أنَّ النخبة الفكرية عليهم تحصين الشباب وحتى الطفل منذ الصغر.

·       هل نحتاج إلى إعلام ديني لمواجهة الإرهاب؟

-        الإعلام الديني الموجود في مصـر"هـش"، ومُعظم البرامج الدينية بها خطب ووعظ فقط، والموجودين من العلماء في القنوات الفضائية لو كان تأثيرهـم قويا لقضوا على الإرهاب والتطرف.

·       وكيف ترى النظرة إلى بن تيمية بأنه أفكاره تقف وراء الإرهاب المنتشر في المجتمع الآن؟

-        ابن تيمية تحدث في وقته والإرهابيين أخذوا كلام بن تيمية وطبقوه على واقع غير الواقع الذي كان فيه. وهو رجل له أفكار شاذة في العقيدة وخالف جمهور الأمة من الأشاعرة والماتريدية، والأزهر لا يعترف بابن تيمية في الدراسة، فهـو لديه أخطاء جسيمة في العقيدة وأمور أخرى، وفي قضايا التكفير كان يتحدث في وقت غير الوقت الذي نعيشه الآن، إنما الأخطر هو سيد قطب، حيث يرى أنَّ المجتمع إذا ترك جزئية واحدة من الشريعة يكفر، وأن المجتمع جاهلي، والحاكم كافر إذا ترك شيئا من الإسلام. وهذا كان نتيجة الضغط الذي مرَّ به في السجن، ولا ننسى أن أبو الأعلى المودودي هو الآخر في حاجة إلى إعادة النظر في فكره.