الأربعاء 08 مايو 2024 الموافق 29 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

«كشكول» يُحقق في تقنين «سناتر» الدروس الخصوصية مقابل دفع الضرائب

كشكول

نورهان عبدالرحمن - ريم محمود - شيماء محمد - محمد القناوي

خبراء حذروا من تحويلها لمدارس موازية تلغي دور وزارة التعليم

مؤيدون: إغلاقها مستحيل والطلاب يلجأون إليها بسبب المناهج العقيمة.. ومعارضون: يحول المنظومة إلى استثمار ويدمر مواهب التلاميذ

أولياء أمور: تخرب العقول بتحفيظ المناهج عبر ترديد الأغاني الشعبية


جدل كبير أثاره المقترح الذي طرحه الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة السابق، لحل أزمة الدروس الخصوصية، إذ انقسم حول رأيه المعلمون والخبراء ما بين مؤيد ومعارض.

واقترح نصار خلال لقائه مع برنامج «90 دقيقية» على قناة المحور، الذي يقدمه الإعلامي الدكتور محمد الباز، منح مراكز الدروس المعروفة بـ«السناتر» تراخيص رسمية مقابل دفع ضرائب، وتحويلها إلى خادم للعملية التعليمية.

وأضاف: «المدرس اللي يدي دروس وبيقبض من المدرسة 2000 جنيه مرتب، ياخد 1000 فقط، شريطة حصول المعلم المتفرغ على راتبه بالكامل دون خصم»، مشيرة إلى ضرورة أن تتعامل وزارة التربية والتعليم مع المعلمين غير المتفرغين، وكأنهم في إعارة للخارج، حتى لا يكونوا عبئا على الدولة.

تربويون: يزيد من معاناة أولياء الأمور.. وثغرات قانونية تعرقل تحصيل الضرائب من المراكز

اختلف التربويون حول جدوى المقترح، واعتبر بعضهم أنه لا يقدم حلا للمشكلة من الأساس، فيما رأى آخرون أنه من الممكن تطبيقه ولكن بشروط.

ورأى الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ علم التربية بجامعة عين شمس، أن المقترح رغم أنه يتضمن فرض ضرائب على مراكز الدروس الخصوصية بما يدر دخلا على الدولة، فإنه من الصعب تطبيقه على أرض الواقع.

وأضاف عبد العزيز: «المقترح لن يعالج المشكلة بل ستتفاقم بسببه، وستزداد أسعار الحصص في المراكز، ما يزيد من معاناة أولياء الأمور، في الوقت الذي سيكون فيه ذلك قانونيا».

وأوضح أن المقترح تجاهل عدة محاور، أبرزها أن التلميذ يتعامل مع مناهج دراسية عقيمة، لذلك يلجأ  إلى من يستطيع مساعدته، حتى لو كان معلما من خارج المدرسة وخارج الوزارة أيضًا.

وأشار إلى تجاهل المقترح لمحور ثان، يتمثل في أن التلميذ الذي يبحث عن الدرس الخصوصي يلجأ لذلك أحيانا حتى ينجح في إرضاء معلم الفصل نفسه، حتى لو كان ذلك على حساب التحصيل الدراسي والبنية المعرفية بحثا عن النجاح، وهي الظاهرة التي تتكرر كثيرا لدى طلاب مراحل النقل.

وتابع: «تجاهل المحور الثالث الذي يتعلق بطلاب الشهادات، كونهم لا يذهبون إلى المدرسة من الأساس بل يعتمدون بشكل كامل على مراكز الدروس الخصوصية أو الدروس المنزلية، في الوقت الذي لا يشترط فيه أن يكون مدرسوهم يعملون في المدارس النظامية من الأساس».

وأضاف: «بعض معلمي السناتر يكونون من خارج الحقل التعليمي أو من هواة المهنة أو الباحثين عن عمل، ما يعني أنهم في الأساس من غير الخاضعين لأحكام الوزارة أو قوانينها، لذا لا يمكن فرض الضرائب عليهم أو تحجيمهم».

وتابع: «مقترح جابر نصار لم يقم على دراسة واقعية، لذا ستكون نتيجة تطبيقه أكثر كارثية، لكونه سيمنح الغطاء القانوني لسيطرة معلم الفصل على التلميذ، وسيضيع حقوق غير القادرين من الفقراء».

وذكر أن المشكلة الحقيقة في مصر، تتمثل في أن مقترحات العلاج لمشكلات العملية التعليمية بعيدة عن الواقع، ولكن إذا كنا نريد حل مشكلة الدروس الخصوصية، فعلينا أولا معرفة أسبابها وعلاجها.

من جهتها، رفضت النائبة ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، المقترح وما يتضمنه من اعتراف بالدروس الخصوصية، مؤيدة في الوقت ذاته فكرة فرض ضرائب عليها.

وقالت نصر: «لابد من فرض الضرائب على هذا النشاط، ومعظم دول العالم تفرض ضرائب على أي عمل، سواء كان مخالفا أو غير ذلك، أما محاسبة المخالف فتكون من اختصاص جهات المحاسبة».

وأشارت إلى أن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، سبق ولمح بإمكانية السماح بإعطاء دروس خصوصية في بعض الحالات، لكن بعد استخراج تصريح، مطالبة الوزير بسرعة الكشف عن هذه الحالات والشروط وكيفية الحصول على التراخيص حتى لا يحدث لغط بشأنها.

نقابيون: يتعارض مع النظام الجديد ويلغي دور المدارس.. ويكرس للحفظ والتلقين وقتل الإبداع

رأى محمد عبد الله، أمين عام نقابة المعلمين، أن المقترح جدير بالدراسة في إطاره العام، رغم أنه يتنافى مع الفلسفة المستهدفة حاليا في العملية التعليمية.

وقال عبد الله: «يتعارض القترح مع فكرة إنشاء أجيال جديدة قادرة علي الإبداع والتفكير الحر والناقد، وهو ما تستهدفه الوزارة، في الوقت الذي تهدف فيه مراكز الدروس الخصوصية إلى تحفيظ الطلاب للأسئلة والإجابات النموذجية دون أن يحقق الطالب أي فائدة حقيقية».

وأشار إلى أن انتشار المراكز لا يعني بالضرورة الموافقة عليها وتأييد بقائها، وأن النظام التعليمي الجديد الذي تستهدفه الوزارة وبدأت تطبيقه على مراحل رياض الأطفال، سيضمن حل هذه المشكلة بشكل تدريجي.

وأضاف: «لا يمكن أن ننتهي من ظاهرة الدروس الخصوصية التي تستنزف جيوب الغلابة خلال يوم وليلة، خاصة أن لها لوبي قوي يدافع عنها بشراسة، ويرفض المساس بها بسبب الأرباح المهولة التي يحقهها بعدما وصلت إلى نحو 25 مليار جنيه في بعض التقديرات» .

ودعا أمين نقابة المعلمين إلى الاستفادة من مقترح الدكتور جابر نصار عبر تطويره وتفعيل نظام المحاضرات الشرعية لطلاب الثانوية ومجموعات التقوية المدرسية، وهو ما يمكن تحقيقه بسهولة عبر قرارات وزارية تنظم هذه العملية.

وتابع: «تفعيل مجموعات التقوية يحقق لنا عدة أهداف في توقيت واحد، أولها الحفاظ على الطلاب ووعيهم عبر التأكد من كفاءة المعلمين القائمين على التدريس، وثانيها زيادة دخل المعلمين بما يجذبهم بعيدًا عن مراكز الدروس الخصوصية، إضافة إلى الاستفادة من آليات متوفرة بالفعل وتنتظر تفعيلها».

واستطرد: «هذا النظام سيجعل وزارة التعليم نفسها هي المسئولة عن الإشراف على كل ما يقدم للطلاب، سواء في المدرسة أو الدروس وهو ما يساعد كثيرا على تجاوز أزمة مراكز الدروس الخصوصية».

أما كرم عبد اللاه، نقيب معلمي القاهرة الجديدة، فرفض مقترح رئيس جامعة القاهرة السابق ووصفه بأنه، وبعيدا عن وجهة النظر التربوية، يفتقر بالأساس إلى آليات التنفيذ على أرض الواقع.

وقال: «الوضع القائم هو أن مراكز الدروس الخصوصية لا توجد عليها أي رقابة، فهي لا تحصل علي أي رخصة من وزارة التعليم أو المحليات أو وزارة التضامن الاجتماعي، لذا ففكرة فرض ضرائب عليها غير قابلة للتنفيذ».

وأضاف: «هذا الوضع يعني أنه لا يمكن فرض الرقابة عليها أو على نوعية المعلمين القائمين علي التدريس بها، ولا أعداد الطلاب الملتحقين بالمراكز، هذا بالإضافة إلى عدم إمكانية السيطرة على حجم الملازم الموزعة ولا كيفية توزيعها وأسعارها».

وذكر أنه إذا طبقنا هذا النظام فسنكون أول دولة في العالم تلغي مدارسها وتعتمد على مراكز الدروس الخصوصية بدلا من مكافحتها.

معلمون: يحسن البيئة التعليمية ويمنح فرصة لاستكمال صيانة المدارس

اعتبر وائل يوسف، معلم أول فيزياء، الفكرة جديرة بالدراسة بعدما تحولت مراكز الدروس الخصوصية إلى واقع لا يمكن إنكاره، وعجزت وزراة التربية والتعليم في عهد أكثر من وزير على التصدي لها.

وقال يوسف: «عجزت الوزارة عن تقديم حلول حاسمة للظاهرة في ظل تراجع مستوي البيئة المدرسية منذ فترة طويلة، بفعل عدد من العوامل مثل ارتفاع الكثافات وتدني أجور المعلمين وغيرها».

وتابع: «إذا كانت الوزارة فشلت خلال الفترات الماضية، في فرض حملات الرقابة والتفتيش كما حدث في عهد الوزير الهلالي الشربيني وعجزت عن إيجاد حل لها، فالأفضل هنا هو تقنين أوضاعها».

أما محمد حماد، رئيس قسم اللغة العربية بمدرسة قومية، فقال إن المسئولين عن التعليم في مصر، يكذبون على أنفسهم بالقول إن الدروس الخصوصية مجرد ظاهرة، في الوقت الذي تحولت فيه إلي واقع حقيقي لكثير من طبقات المجتمع.

وأضاف: «تطوير التعليم بحاجة إلي مواجهة الواقع أولا، وهو ما يتم عبر دراسة أفكار من خارج الصندوق لتتعامل مع مشكلاته المختلفة، وفكرة الدكتور جابر نصار بخصوص تقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية، تعد من الأفكار التي تصب في هذا الاتجاه».

وذكر أن تقنين الدروس الخصوصية سيزيد من حصيلة الضرائب والرسوم، ما يمنح الفرصة لتحسين البيئة المدرسية واستكمال أعمال الصيانة بها وزيادة الحوافز للمعلمين المتميزين، وغيرها من احتياجات العملية التعليمية.

فيما رأى يحيي علي، مدرس أول اللغة الإنجليزية، أن هذا المقترح سيلغي دور المدارس في النهاية، كما يغفل من الأساس وضع أي آلية لمراقبة (السناتر) البعيدة أصلا عن الرقابة والمحاسبة.

وأشار إلى أن أحدًا لا يمكنه السيطرة على نوعية القائمين على التعليم بمراكز الدروس الخصوصية، وهو ما تثبته الفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية، وأثبتت أن التعليم في مصر يواجه كوارث حقيقية.

الرأي نفسه ذهبت إليه مروة عبد الله، المعلمة في إحدى المدارس الابتدائية، بقولها: «هذه الأفكار تعني أننا نعطي الإذن المباشر للمدرسين في المراحل التعليمية المختلفة بالاعتماد على الدروس الخصوصية وعدم الاهتمام بالشرح داخل المدارس نهائيا».

 وأضافت: «مثل هذه المقترحات ستعمل على إخراج أجيال جديدة تعتمد فقط على الحفظ والتلقين، دون أي اهتمام بالتعليم نفسه».

أولياء أمور: التقنين يواجه معلمي «المهرجانات».. وتطبيقه يرفع أسعار الحصص

من جهة أخرى، رأى أولياء الأمور أن المقترح سيزيد من معاناتهم، نظرا لأن القائمين على مراكز الدروس سيحملون التكاليف الجديدة على أسعار الحصص.

ورأت أماني الشريف، الباحثة في العلوم السياسية وولية أمر طالب، أن وزارة التعليم إذا استجابت لهذا المقترح فإنها ستذهب بمفهوم تطوير التعليم بعيدا عما يخطط له الوزير الدكتور طارق شوقي، الذي وعد بالقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية عبر وضع نظام تعليمي جديد.

وقالت: «إذا طبقناه سنذهب إلى اتجاه آخر، هو كيفية تحقيق الربح الاستثماري من هذه المراكز لا مواجهتها، وهنا سيكون هدفنا الأساسي هو التجارة والتربح، وهو ما يضر في النهاية بمصالح الطلاب وأولياء الأمر، لأنه سيؤدي لرفع تكلفة الدروس لتعويض قيمة الضرائب المتحصلة».

وأضافت: «علينا البحث عن طريقة للحد من انتشار السناتر، وليس عن طريقة لتقنين وجودها وجعلها ظاهرة طبيعية، لذا يجب التريث قبل النظر بجدية لهذا المقترح لأنه سيحقق رد فعل عكسي، ويحول التعليم لسلعة».

أما منى عبد الوهاب، ولية أمر طالبة، فقالت إنها توافق علي مقترح فرض الضرائب علي مراكز الدروس الخصوصية والسماح لها بالترخيص، لأن هذا يجعلها تحت رقابة ومتابعة الدولة.

وأوضحت أن هذا التقنين سيضع حدا لاستغلال القائمين على المراكز للطلاب وأولياء الأمورهم، داعية إلى التعامل مع الأمور بواقعية لأن هذه «السناتر» لم ولن تتوقف، رغم محاولات الوزارة إغلاقها ومواجهتها أكثر من مرة.

فيما رأت عبير أحمد، مؤسسة اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، أن فكرة تقنين سناتر الدروس الخصوصية تعد فكرة جيدة من حيث المبدأ، إلا أنها تحتاج إلى شروط تجعلها تتم تحت إشراف تام من وزارة التربية والتعليم، على أن يخصص العائد منها لخدمة العملية التعليمية.

وأضافت: «الدروس الخصوصية تلتهم ما في جيوب أولياء الأمور والأسر المصرية وتشكل عبئًا ماديًّا كبيرًا عليهم، نظرا لاضطرار الطلاب إلى الاعتماد على الدروس بدءا من رياض الأطفال وحتى الجامعة».

وطالبت عبير الوزارة بالعمل أولا على إصلاح أوجه القصور في المدارس والتي أدت لغياب دور المدرسة وتسببت في لجوء أولياء الأمور لهذه المراكز من الأساس.

وأوضحت أن انتشار «السناتر» تسببت في إفساد قدرات الطلاب وذوقهم العام، بعد ظهور من سمتهم بـ«معلمي المهرجانات» الذين يستعينون بالأغاني الشعبية خلال إعطاء الدروس لتحفيظ الطلاب دون أي إضافة لعقولهم.