الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

«مدارس الدمج» لا «تدمج»..معلمو الظل يرون حكايات التنمرعلى ذوى الاحتياجات الخاصة

كشكول



حكايات «التنمر» على ذوي الإعاقة داخل الفصول بعيون «معلِّمي الظل»
شكاوى من انتشار الظاهرة بين المعلمين.. مناشدة لأولياء الأمور بتوعية أبنائهم.. ومطالب برفع كفاءة مدارس الدمج




«الواد المتخلف قاعد هناك اهوه».. عبارة صاحبتها ضحكات ساخرة متعالية من زملاء «يوسف» في المدرسة خلال وقت الاستراحة بين الحصص المدرسية، ومعها إشارات إليه تثير غضبه وخوفه في آن واحد.

لا يدرك «يوسف» كيفية الدفاع عن نفسه أو الرد على هؤلاء المستهزئين به، فيتخذ من إحدى زوايا ساحة المدرسة ركنًا يحاول الاختباء فيه من نظراتهم التي تلتهمه وتنقض عليه بوحشية تنهش في قلبه الصغير الذي لا يحتمل كل تلك الكلمات المهينة، يبكي فتتحول دموعه الى مادة مشتعلة يستغلها الأطفال المتنمرين عليه ويفجرون داخله بركانًا من الإنهيار دون تدخل من أي مشرف بالمدرسة.

يوسف ليس الطفل الوحيد، هو أحد الأطفال الذين لم يكن لهم ذنب في اختلافهم عن زملائهم في مثل سنهم الدراسي، يلقبون بـ«ذوي الاحتياجات الخاصة»، إذ يحتاجون الى رعاية بشكل أكبر من قبل أولياء الأمور وكذلك من المعلمين.

«كشكول» تستعرض بعد الحكايات المؤسفة من وقائع التنمر على التلاميذ من ذوي الإعاقة من المصابين باضطرابات التوحد ومتلازمة «داون» في المدارس، من على لسان «معلمي الظل Shadow teacher»  الذين استعان بهم أهل هؤلاء الأطفال لمرافقتهم في يومهم الدراسي.
1- مريم و«يوسف»: التلاميذ بينادوه «يا متخلف» مدرس قاله «استرجل شوية».. ووالدته: بيرجع البيت متبهدل

تروي هذه المعاناة مريم محمد، معلمة ظل مرافقة للطفل يوسف عبد التواب، سبع سنوات،  والذي يعاني من اضطراب «التوحد»، فهي ترافقه منذ عام في مدرسته بمنطقة المرج الجديدة. عانى الطفل كثيرًا قبل مرافقته بسبب سب زملائه له وسخريتهم منه، وتقول المعلمة إنها منذ أن تولت مسؤوليته وهي تتصدى للعديد من محاولات ترهيبه من الأطفال حوله حتى أن المعلمين في المدرسة أحيانًا يسيئون التعامل معه دون دراية منهم ويعنفونه على ما لا يملكه.

«في مرة تخانقت مع مدرس بيزعقله وبيقوله استرجل كدة شوية واتكلم مالك؟!»، حينها تصدت «مريم» له وتقدمت بشكوى لمديرة المدرسة والتي حولته على الفور  للتحقيق ونقلته إلى فصل آخر واستعانت بمعلم بديل في فصل «يوسف».

ترى معلمة الظل أن هناك عدم وعي باضطراب التوحد، تشرح: «ليس مرضًا وأيضا لا يعد اعاقة، هو اضراب سلوكي يجعل الطفل لا يتجاوب بشكل جيد مع العالم والأشياء حوله، ويكون غالبا لديه موهبة استثنائية تجعله مميز عمن حوله».

وتضرب مثالا: «بعضهم يجيد التعامل مع العمليات الحسابية والبعض يجيد الرسم والتلوين والعزف، هم استثنائيون بشرط أن يتم رعايتهم والاهتمام بهم جيدًا وتنمية مهاراتهم من خلال التدريب».

وتضيف أن الأطفال لا يدركون أيضًا ما يفعلون بزميلهم أحيانًأ فينعتوه بـ«المتخلف»، واحيانًا يسبونه أو يضربونه ظنًا منهم أنه لا يحبهم او لا يريد اللعب معهم، و«هذا غير حقيقي ويجب على اولياء الأمور التنبيه على ابنائهم وتعنيفهم إذا صدر منهم اي موقف يهين فيه اي زميل له خاصة اذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة».

من جهتها، تحكي «ماجدة»، والدة «يوسف»، أنها كانت تذهب بالطفل يوميًا الى مدرسته ترافقه هي طوال اليوم لا تتركه حتى في الحصص الدراسية لكن زوجها تخلى عنها بسبب ظروف الابن وطلقها وأصبحت النفقة لا تكفي للانفاق على ولدها الوحيد.

اضطرت «ماجدة»  للعمل، لكن زملاء ابنها والمعلمون لم يتركوه وحيدًا. تحكي: «يعود الى منزله وعلى وجهه كدمات وجهها أحد زملاء ابنها المعروفين بالتنمر والبلطجة، ومرة أخرى يعود وسرواله مغطى بالحبر بسبب زميل آخر مسح حبر قلمه المكسور في سروال يوسف».

مواقف يومية تصيب «ماجدة» بالأسى والألم وتذهب للتشاجر وتقديم الشكاوى دون جدوى، حتى اضطرت للاستعانة بمعلمة ظل بعد عناء كبير في عملية البحث عنها، نظرًا لندرة هذا النوع من المعلمين بالإضافة الى ارتفاع راتبهم، خاصة إذا كان بدوام كلي مع الطفل وليس جزئيًا.

«كل يوم يجيلي مضروب أو مخبوط وبيعصب عليا وقلبي بيوجعني.. أبوه سابهولي وراح اتجوز،  لو أنا جرالي حاجة الولد هيروح فين ولا لمين.. ملناش غير ربنا».. بنبرات تعتريها الحسرة والألم والخوف من المستقبل تحدثت «ماجي» عن ابنها، مشيرة الى ان الاطفال مثله يتعرضون للتنمر يوميًا، وأن معلم الظل اصبح لا غنى عنه في هذا الزمن الذي اصبح الكثير من الأبناء مفتقدين للتوجيه الجيد من قبل أولياء الامور، كما أن المعلمين في المدارس يفتقدون الى آلية التعامل الخاص مع هذه الحالات ويلقون بكلام جارح دون دراية بتأثير وقعه على الطفل.

2- أحمد و«نور»: التلاميذ بيسرقوا وجباته.. المدرسون يستبعدوه من الأنشطة.. ويهرب منهم إلى الرسم والتلوين

أحمد مصطفى، معلم ظل أيضًا، مرافق للطفل «نور» بإحدى مدارس مصر الجديدة. يستيقظ يوميًا منذ الساعة السادسة صباحًا ويذهب الى منزل الطفل بنفس منطقة المدرسة ليستعد لمرافقته في المدرسة، هو الذي يحضر معه كل الحصص الدراسية، يعلم ما عليه من الواجبات وكذلك يحرص على تناوله الوجبة المدرسية ودخوله دورة المياه وحمايته من اي محاولة للتنمر او الاعتداء عليه لفظيًا او جسديًا من أي شخص.

«أنا بلاقي المدرسين ساعات يعاملوه بشفقة غريبة أو يعفوه من اي عمل يخليه يندمج مع الاطفال في سنه، وده غلط».. يتحدث معلم الظل المرافق لـ«نور»، وهو في الصف الأول الاعدادي باحدى المدارس التجريبية.
يرى المعلم أنه رغم أن المدرسة تعمل بنظام الدمج فإن المعلمين لا يشركونه في الانشطة أو الأعمال المدرسية، ففي إحدى المرات كانت هناك حصة للألعاب، بحيث يصطف الطلاب في طابور ويؤدون بعض التمارين الرياضية: «فوجئت بالمدرس بيقوله لا اقعد انت يا نور عشان انت تعبان مينفعش، مع إن الولد كان مبسوط وعايز يشارك».

يشدد «مصطفى» على أن الطفل المصاب باضطراب السلوك ليس معاق ذهنيا او جسديا، ويمكنه المشاركة في مثل هذه التمرينات ولا يجب حرمانه منها، لافتًا إلى أن حالة «نور» ليست بهذا السوء الذي يمنعه من ممارسة بعض التمارين البسيطة. لذلك فإنه أخبر معلم الألعاب أنه يجب أن يتعامل معه على هذا الاساس، وبالفعل شارك «نور» في التمارين وعاد لمنزله سعيدًا بممارسته لتلك الألعاب مع زملائه.

يقول «أحمد» إن نور متفوق في الرسم وفي تكوين الأشكال والأجسام من حوله مستخدمًا الصلصال، وأنه يعمل معه على تنمية مهارته في هذا الجزء الذي يهرب إليه أحيانا من مواقف التنمر.

يحكي: «أحيانا بلاقي زمايله بيتكلموا بينهم وبين بعض عليه، بقعد أتكلم معاهم وأفهمهم إنه زي أخوهم الصغير، ولازم يتعاملوا معاه على الأساس ده، وإنهم يحموه لو حد من فصل تاني جه يضايقه، وفعلا نجحت في انه يتعامل معاهم وبيصاحبوه وبيشاركوه في ادواتهم المدرسية، والوجبات بتاعتهم بياكلوها سوا».

فقدان الشهية لتناول الطعام تصبح مشكلة في هذا السن، بحسب تأكيد أحمد مصطفى، إذ يلجأ بعض الاطفال إلى سرقة الطعام الخاص بـ«نور» كنوع من الدعابة او المرح ويأكلونه بدلا منه، لكن مع الوقت ومحاولة الاعتماد على مأكولات يفضل طعمها وكذلك فواتح شهية أصبح يتناول وجباته خاصة بعد مصادقة بعض الزملاء له وتعاطفهم معه.

3- إسراء وأطفال «متلازمة دوان»: بقول لزمايلهم «دول مسؤوليتكم».. ومكافحة التنمر تبدأ من البيت
أطفال التوحد ليسوا الوحيدين أيضًا الذين يتعرضون للتنمر وسوء التعامل من قبل المعلمين وكذلك الزملاء في الفصل، فالأطفال الذين يعانون من متلازمة «داون» هم أيضًا ضحايا للتنمر، ويحتاجون في يومهم إلى معلمي ظل لمرافقتهم والاعتناء بهم.

متلازمة «داون» عبارة عن حالة وراثية، تحدث عندما يولد الطفل مع 47 كروموسومات بدلا من 46 العادية، والكروموسوم الاضافي هو كروموسوم 21، ويسبب تأخيرًا في نمو الدماغ وعدة تشوهات جسدية. ويمكن أن يولد الاطفال ولديهم المتلازمة بغض النظر عن العرق والجنس والوضع الاجتماعي الاقتصادي.

وتستطيع التعرف علي أطفال متلازمة «داون» من ملامح الوجه، بالعيون المائلة الى اعلى مع طيات الجلد الواضحة في الزاوية الداخلية للأجفان، وكذلك الآذان الصغيرة بأصغر من الحجم المتوسط، والفم الصغير، والوجه المستدير الصغير مع الخدين الممتلئين.

إسراء جمال فتاة عشرينية تعمل معلمة ظل منذ أربعة سنوات، بعد أن تخرجت من كلية الآداب قسم علم الاجتماع واهتمت بالقراءة في العلوم النفسية والاجتماعية وحصلت على دورات تدريبية للتعامل مع الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة أو عدم القدرة على النطق او الكتابة وكذلك مصابي التوحد ومتلازمة داون، وكانت تعمل على تأهيل نفسها كي تحسن من سلوكيات بعض الاطفال المصابين باضطراب السلوك.

تقول إسراء إنها عملت مع العديد من الأطفال على مدار شهور وبعضهم على مدار سنة أو سنتين، عانت خلالها من خلال معاناة الأطفال، فكانت الكلمات التي يُنعتون بها من قبل المحيطين بهم كالسهام في قلبها، فالبعض لا يعلم مدى تأثير كلماته وايماءاته ووقعها على نفوس هؤلاء الصغار.

في مرة تعرض أحد الاطفال التي كانت تعتني بهم، وكان مصابًا بمتلازمة «داون»، في المدرسة للتنمر من قبل بعض الزملاء الذين اتفقوا عليه ورشوا مياه على جسده فابتلت ملابسه بأكملها واصيب بنزلة انفوانزا حادة. لم تكن «إسراء» حتى قادرة على منع الأطفال من فعل ذلك، ففي اقل من جزء من الثانية وخلال حديثها مع احد معلمي الطفل المسؤولة عنه فعلوا فعلتهم.

اعتذرت بالطبع لولي أمر الطفل وعزمت على عدم تكرار ذلك وبالفعل في اليوم التالي استطاعت الامساك بفاعل هذا السلوك وتحدثت معه وشرحت له حالة الطفل المرافقة له. تقول: «دايما بلعب على فكرة ان الطفل ده مسؤول منك وانت راجل ومتعملش كدة،  الطفل بيلاقي نفسه وبيحس انه كبير وبيتغير تصرفه، وطبعا بتكلم مع ولي امر الطفل الغلطان عشان ينصحه ولو مبطلش يتعاقب».

موقف آخر تحكيه «إسراء» عن طفل مصاب بعدم القدرة على الكتابة او الامساك بالقلم وكذلك التعثر في النطق، إذ كان احيانًا يتكلم ويتعثر في نطق بعض الحروف فيستهزئ به زملائه فتوقف عن المحاولة في تحسين حديثه حتى لا يتعرض للتنمر، وهو ما أخَّر حالته كثيرًا، وعندما رافقته راحت تحثّه على الحديث، وأحضرت له العديد من الكتب لقراءتها،إذ كان يحب القراءة كثيرًا، وبالفعل بدأ ينطق بعض الكلمات البسيطة، وبمعاونة والدته اصبح يكوِّن الجمل وينطقها بشكل أفضل.

ووجهت «إسراء» رسالة إلى المجتمع بأهمية القراءة حول هؤلاء الأطفال والحرص في التعامل معهم خاصة من قبل المعلمين والمشرفين في المدارس، حتى يندمجوا بشكل أفضل مع زملائهم في المدارس، مناشدة أولياء الامور بالتربية السليمة لأطفالهم حتى لا يتنمرون على زملائهم الذين يعانون من أي إعاقة أو اضطراب في السلوك، بل يكونوا عونا لهم على اعاقاتهم ومتقبلين لاختلافهم عن بقية التلاميذ في الفصول، مشيرة إلى أن المعلمين أصبحوا متنمرين اكثر من التلاميذ في كثير من الأحيان.



 معلم الظل
يساعدهم في تناول الوجبات وشرح الدروس.. وراتبه من 3 إلى 10 آلاف
بعض المدارس تشترط وجود معلم مرافق يدعى بالإنجليزية الـ«Shadow teacher»، وهو معلم مرافق للطفل يساعده على تناول وجباته وتعلم المواد الدراسية بأسلوب خاص يناسب الطفل من ذوي الاحتياج الخاص، إذ يتطلب الامر في بعض الأحيان إعادة شرح الدروس للطفل، ويوليه الاهتمام المطلوب نظير راتب شهري يحصل عليه من ولي الأمر.
ونظرًا لندرة هذا النوع من معلمي الظل، فإنهم يتقاضون رواتب كبيرة مقارنة بباقي المعلمين، ويتجاوز بعضهم 5 آلاف جنيه والبعض الآخر 10 آلاف جنيه في الشهر الواحد. ويختلف الراتب حسب مؤهلات المعلم العلمية ومدى تأهيله لرعاية طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك حسب المنطقة السكنية ومستوى الأهل للطفل المحتاج للرعاية، إذ يرتفع في المناطق السكنية الراقية ويقل في المناطق الشعبية، لكنه في كل الأحوال لا يقل عن  3 آلاف جنيه.


خبير سلوك: نطالب بمدارس دمج مميزة.. و«قومي الإعاقة»: نعمل على رفع كفاءتها

وزارة التربية والتعليم ابتكرت نظام الدمج كي تشجعهم على الاندماج بشكل طبيعي في المجتمع، لكن يبدو أن الوضع لم يتحسن بعد.
الدكتور عصام حسن، المتخصص في مشكلات النطق والتخاطب وتعديل السلوك، يشرح أن هذه الاضطرابات تصيب الذكور أكثر من الإناث بمعدل ثلاث اضعاف، لافتًا إلى أن الوضع في أوروبا وأمريكا  متقدم كثيرًا مقارنة بمصر في هذا الشأن، إذ يوجد ما يسمي فريق عمل يعمل على حالات الاضطراب، مكون من طبيب مخ واعصاب وطبيب نفسي واخرين متخصصين في التخاطب والسمعيات كل يعمل على تطوير تخصصه.

ويستدرك: «أما في مصر فلا يوجد إلا عمل منفرد»، مطالبا بتوفير مدارس بها معلمين مؤهلين ودعمها بمصاريف لرعايتهم وتنمية مهاراتهم وعقد مسابقات لتشجيعهم وتشجيع ابائهم على مواصلة الطريق معهم.

بدوره، يعقّب الدكتور أشرف مرعي، أمين عام المجلس القومي لشئون الإعاقة، بأن المجلس قدم عدد من الطلبات والمذكرات لتحسين وضع مدارس الدمج، وتوفير معلمين متخصصين والاعتناء بشكل اكبر بهم، مؤكدا أنهم على قوائم اعتناء المجلس الذي يهتم بهذا الملف كثيرًا.