الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

صحفي يروي مشاهداته لتجربة تصنيع "عقل نضيف" في "جامعة الطفل"

كشكول

فى أكاديمية البحث العلمى كان انطلاق الحلم، فعلماء مصر قرروا أن يبحثوا عن خلفاء لهم بين الأطفال، الذين يظهرون براعة فى المجالات العلمية، ولا تتسع معامل مدارسهم الصغيرة لتلبية طموحاتهم الكبرى. لذلك كان القرار هو استقبالهم فى مكان يناسب مواهبهم، ومن هنا بدأ برنامج «جامعة الطفل»..
فى جامعتهم، لم تعد أحلام الأطفال مؤجلة، تنتظر مرور السنين حتى تتحقق، بل أصبحت واقعا يمكن أن تلمسه أيديهم الصغيرة، فهنا لن تندهش إن رأيت طفلا فى التاسعة من عمره يرتدى البالطو الأبيض، ويطلب من الجميع أن ينادوه بلقب «دكتور»، لأنه بالفعل نجح فى الالتحاق بالجامعة، وربما بدأ فى تحضير رسالة الماجستير.
 تحدثت مع عدد من هؤلاء الطلاب الصغار، الذين درسوا فى «جامعة الطفل»، كما تواصلت مع ذويهم، وعدد من المشرفين على البرنامج، لتتعرف على تقييمهم للتجربة ومدى نجاحها فى الارتقاء بمستوى الأطفال العقلى والعلمى.

11 ألف دارس. 27 مؤسسة جامعية تشارك فى البرنامج.. والدراسة خلال العطلات

أيا كان نوع المدرسة، التى ينتمى إليها، حكومية أو تجريبية أو خاصة أو دولية، كل ذلك لا يهم، فأى طفل مصرى هو «مرشح محتمل» لدخول الجامعة، وكلهم مرحب بهم، مهما كان مستواهم الاجتماعى، وكل ما يتطلبه الأمر هو دخول أحد والديه على الموقع الرسمى لـ«أكاديمية البحث العلمى»، وملء الاستمارة الخاصة بطلب التقديم الإلكترونى، ثم اتباع إجراءات إلحاق أطفالهم بالجامعة.
وبمجىء العطلات، يحزم الطلاب حقائبهم، ويذهبون يوميا إلى الجامعة، التى تستقبلهم فى أقسامها، حسب التخصصات، والمراحل العمرية، فالمرحلة الأولى تضم الأطفال من عمر ٩ – ١٠ سنوات، والثانية من ١٠ – ١١، والثالثة من ١١- ١٢، والرابعة من ١٢- ١٣، والخامسة من ١٣- ١٤، والسادسة من ١٤- ١٥.
وفى «جامعة الطفل»، لن يصرفهم الحراس كالمعتاد بقولهم: «إلعب بعيد يا شاطر»، بل سيدخل الصغار إلى المدرجات والمعامل مثل كل الطلاب الجامعيين، فى برنامج تعليمى تتعاون فيه ٢٧ مؤسسة جامعية، منها ٢٢ جامعة حكومية، و٣ جامعات خاصة، ومعهدان عاليان. وجميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهما بين ٩ سنين و١٥ سنة مؤهلون لخوض البرنامج فى «جامعة الطفل»، بشرط الخضوع لبعض الاختبارات فى البداية، وفور التسجيل، يمكن للطفل اختيار مجال تدريبه الخاص، من بين عدة مجالات منها: «الطاقة- المياه- علم المصريات- الأدب والفنون- البيولوجى».
خدمة البرنامج تقدم على شكل دورات متتالية، بلغ إجمالى المستفيدين منها حاليا حوالى ١١ ألف طالب، فيما تضمنت الدورة الأخيرة وحدها حوالى ٥٥٠٠ طالب وطالبة، حصلوا على دعم من أكاديمية البحث العلمى يقدر بـ ١٥ مليون جنيه.
البرنامج بدأ قبل ٣ أعوام، ومنذ ٢٠١٥ نجح فى تخريج ٨ دفعات حتى الآن، وتتزايد أعداد الأطفال الراغبين فى المشاركة عاما بعد عام، وكلما كان سن الطفل صغيرًا تمكن من الدراسة والتنقل بين المجالات العلمية المختلفة، وبعد التخرج لا تنتهى علاقته بالبرنامج، وإنما تمتد جسور التواصل بينه وبين جامعته المستقبلية، ويكون من حقه حضور بعض المحاضرات التابعة للبرنامج، إلى أن يعود فى المستقبل طالبا جامعيا بشكل رسمى، بعد أن أصبح مستعدا فى سنوات عمره السابقة لتلقى الدراسة بها. ولا ينتهى الأمر هنا، بل يحصل المتفوقون والحاصلون على المراكز الأولى على منح جامعية، بالجامعات والمؤسسات العلمية المتميزة، مثل مدينة زويل، ومدارس الموهبين، كما يحصل الجميع على شهادة تخرج معتمدة من أكاديمية البحث العلمى، ولمزيد من تحفيز الطلاب، يتم توزيع جائزة مالية للحاصلين على المركز الأول من كل جامعة، بالإضافة إلى درع جامعة الطفل، ومنح المتميزين رحلات مدعومة بالكامل إلى إحدى جامعات الطفل العالمية.
جامعات كثيرة فتحت أبوابها للأطفال مرحبة بهم، مثل: «جامعة القاهرة، وعين شمس، وحلوان، والأزهر، وبنى سويف، وطنطا، والمنوفية، وبنها، وكفر الشيخ، والزقازيق، والمنيا، ودمياط، وأسوان، والفيوم، وقناة السويس، ومدينة السادات، وجنوب الوادى، والمنصورة، وفاروس بالإسكندرية، وسيناء، والجامعة البريطانية، والدلتا للعلوم والتكنولوجيا، وأكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، ومعهد أكتوبر العالى للهندسة والتكنولوجيا»، وغيرها. وفى هذه الجامعات سيتمكن الأطفال من تلقى ما يشاءون من تدريب فى ٧ مجالات أساسية هى: «الطب والصحة والدواء، والكيمياء والمواد والعناصر، والأحياء والزراعة والغذاء، والفيزياء والفلك والرياضيات والفضاء، والفنون والأدب والعلوم الإنسانية، والهندسة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتكنولوجيا الحيوية».

تقدم تخصصات الطب وتكنولوجيا المعلومات والمصريات.. ومشروع تخرجها رسالة ماجستير مصغرة
سألنا الدكتور شريف قطب، المشرف العام على برنامج «جامعة الطفل»، عن أهداف هذا المشروع الحالم، فقال: «من خلال البرنامج بنحاول ندور على الأطفال اللى هنعتمد عليهم فى المستقبل، ونجهزههم لبكره، وبنشتغل على اهتمامتهم ونطورها، علشان تكون بداية لحياتهم العملية». وأضاف: «هدفنا إن الاهتمامات العلمية عندهم ما تكونش مجرد هواية، تضيع منهم فى زحمة البحث عن العمل، عشان كده بنحاول إننا نغرس فيهم حب الابتكار، والبحث عن العمل فى مجالات غير مألوفة، وكل ده ممكن يحصل لما يكون الطفل عنده ثقة فى نفسه، ويصدق إن فيه حد فعلًا هايساعده ويدعمه ماديًا ومعنويًا، وساعتها بس هايتركز كل تفكيره فى الإبداع، وهنا نكون نجحنا فى تحقيق هدفنا».
وبكلمات بسيطة، شرح لنا الدكتور عبدالوهاب عزت، رئيس جامعة عين شمس، إحدى الجامعات المشاركة فى المشروع، كيفية دراسة الأطفال فى الجامعة، فقال: «شعار الجامعة هو: (احلم- ابدع- ابتكر)، وزى ما هو مبدأ بيتم تطبيقه على طلاب الجامعة، فكمان بنتعامل بيه مع الأطفال، وعلشان كده الدراسة لا تعتمد على التلقين النظرى، وإنما على خوض التجربة، والأطفال يسمح لهم بتجربة كل شىء داخل المعامل، طالما لا تمثل خطورة عليهم». وأضاف: «فى فرع الصحة والغذاء، لا يدرس الطفل نظريًا ماهية البكتيريا وأضرارها، وإنما يدخل إلى معمل المايكروبيولوجى بنفسه، ويراها ويتعرف على أشكالها، وتعليم الإسعافات الأولية يكون من خلال مشاهد تمثيلية، ينقذ فيها الأطفال المريض الذى يصاب بأزمة قلبية، ويكون التدريب على (العروسة) التى يستخدمها طلاب الطب والتمريض». وتابع: «الجامعة أهدتهم هذا العام جهاز فحص الإشارات العصبية، الذى يساعد فى الكشف عن نشاط المخ والعضلات ومختلف الخلايا العصبية، وغيرها من الأجهزة الحيوية بالجسم، حتى يكون التدريب أيضا على استخدام الأجهزة المتطورة». لا تقتصر التخصصات على الأمور العلمية البحتة، كما شرح لنا رئيس جامعة عين شمس، بل أضافت الجامعة تخصصًا آخر للدراسة، هو تكنولوجيا المعلومات، الذى يستخدم فيه الطلاب أحدث الأجهزة التكنولوجية المتاحة، وفتحت الباب أيضًا أمام من يريد السفر عبر الزمن، ويرغب فى التعرف على تاريخ الأجداد عبر دراسة «علم المصريات»، والتعرف على طريقتهم فى دراسة علوم الفلك والرياضيات. واستكمل رئيس الجامعة: «بعد انتهاء الأسبوعين المخصصين للدراسة، وحصول الطالب على الدورة العلمية بشكل كامل، يقترح عليه القائمون على البرنامج عددًا من مشروعات التخرج، ليختار واحدًا من بينها، وتبدأ متابعته من قبل أستاذ جامعى يلتقى طلابه مرة أو مرتين فى الأسبوع، بما يتيح للطفل أن يُنهى مشروعه ويأتى به إلى أستاذه فى الإجازة التالية».
هذه المشروعات، التى ستكون على هيئة رسالة ماجستير مصغرة، كما يقول الدكتور عبدالوهاب عزت، سيثبت بها العلماء الصغار لمحاضريهم أنهم أصبحوا جاهزين للعب دورهم فى المستقبل.

الطلاب: «زمايلنا بيحسدونا».. وأولياء الأمور: ساعدت أبناءنا على اكتشاف أهدافهم فى الحياة
على صفحة لـ«فيسبوك» تحمل اسم «جامعة الطفل بالمنوفية»، علم أحمد راشد، البالغ من العمر ١٢ عامًا، بوجود برنامج «جامعة الطفل»، فقرر الالتحاق به حتى لا تكون إجازته مجرد إجازة تقليدية، مثل التى اعتادها كل عام.
يقول أحمد: «رغم أن الإجازة وقت راحة ولعب بالنسبة لبقية الأطفال، لكن بالنسبة لى هى وقت متعة ودراسة فى نفس الوقت، فبقيت باستنى الإجازة عشان أروح الجامعة».

وعن الفارق بينها وبين المدرسة، أضاف: «أنا بادرس فى مدرسة خاصة، وبناخد فيها أنشطة عملى، لكن اللى شفته فى الجامعة كان حاجة مختلفة، اتعلمت منها كتير، وفى البداية شوية من زمايلى اتريقوا عليا، لأنى هاضيع إجازتى فى الدراسة، لكن كتير منهم كانوا شايفين إنها حاجة حلوة، وإن هما كمان نفسهم يدخلوها».
بعد التحاقه بالجامعة، اختار أحمد دراسة طب الأسنان: «درست تخصص الطب، واتعلمت فيه حاجات كتير عن طب الأسنان، وكانوا بيخلونا نمارس اللى بنتعلمه عملى، وحسيت إن ليا أهمية، وإنى فى يوم من الأيام هابقى دكتور كبير، وقدرت من خلال جروب الطلاب المشاركين فى البرنامج إنى أعرف إزاى أستفيد من الجامعة على أد ما أقدر».
التجربة الثانية كان بطلها الطالب سامر أحمد، الذى يبلغ من العمر ١٣ عامًا، ويدرس بالصف الأول الإعدادى، فى إحدى المدارس النموذجية.
يروى سامر رحلته الخاصة إلى الجامعة بقوله: «حضرت فترة الدراسة فى أجازة نص السنة اللى فاتت، ولما خلصت.. زعلت لأنى هارجع للمدرسة تانى، لكن باروح أحضر أيام الإجازات، وبيبقى فيه لينا أنشطة فى الجامعة، ولما رجعت المدرسة فى التيرم التانى، بقيت بافكر بطريقة مختلفة، وقدرت أتعلم المناهج أحسن، لأن نفسى كانت مفتوحة على الدراسة، وعشان طريقة التعليم اللى فى الجامعة، حتى زمايلى لاحظوا إن مستوايا اتطور أسرع منهم، واستغربوا إزاى بقيت شاطر فجأة».
وقالت رجاء عبدالمقصود، والدة أحد الأطفال الذين التحقوا بالبرنامج: «ابنى حدد هدف لحياته بعد تجربة جامعة الطفل، رغم إنه كان زى عدد كبير من طلاب مصر، اللى لو سألته نفسك تطلع إيه مايعرفش يرد، وساعات كان يقول نفسى أطلع دكتور، وشوية مهندس، زى ما بيسمع كل اللى حواليه».
وأضافت «ابنى لما دخل الجامعة وشاف أكتر من مجال، قرر إنه هايكمل فى مجال التاريخ الإنسانى، رغم إن مستواه عادى فى المدرسة فى التاريخ، لكنه هو انجذب لجزئية التاريخ بالذات، وإزاى بيتسجل، وفكرة الاكتشافات التاريخية والحضارات القديمة». وتابعت: «بعد ماشاف الحاجات دى فى كلية الآداب بجامعة أسيوط، اتعرف على دكتور فى الجامعة، والدكتور اتبناه علميًا، واهتم بيه فعلًا، لأنه شاف منه شغف كبير ناحية دراسة التاريخ، وبكده أنا اطمنت عليه».