الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

"كشكول" يرصد حكايات "التنمُّر" فى المدارس والجامعات وسوق العمل

كشكول

 أطلقت وزارة التربية والتعليم حملة «أنا ضد التنمُّر»، بالتعاون مع منظمة «اليونيسف»، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، لمحاربة هذه الظاهرة التى انتشرت بين طلاب المدارس، وتسببت فى انتحار بعض التلاميذ، وامتناع بعضهم عن الذهاب إلى المدرسة، خوفًا من البلطجة، أو التسلط، أو الترهيب، أو الاستئساد، من قبل زملائهم أو مدرسيهم.

ويعرف «التنمُّر المدرسى» بأنه أفعال سلبية متعمدة من جانب معلم أو طالب أو أكثر، لإلحاق الأذى بتلميذ، وتتم بصورة متكررة وطوال الوقت. ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات مثل التهديد، والتوبيخ، والشتائم، أو بالاحتكاك الجسدى كالضرب والدفع والركل، أو حتى دون استخدام الكلمات أو التعرض الجسدى، عبر «التكشير» بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمد عزل الضحية عن المجموعة أو رفض الاستجابة لرغبته. فى هذا السياق يرصد «كشكول» قصص طلاب تعرضوا للتنمُّر، وآراء أهل القانون والطب النفسى فى هذه الظاهرة.

 

حازم انتحر بسبب السخرية من إعاقته.. وزملاء طفلة سمراء: «باباكى اتخض منك.. مات»

 

روت مُعلمة فى إحدى المدارس الثانوية قصة طالب يدعى «حازم» انتحر بسبب «التنمُّر»، قائلة إنه عندما كان فى سن العاشرة نشب حريق بمنزل أسرته، تسبب فى تشوه وجهه وإصابته بإعاقة فى رجليه.

 

وأضافت المُعلمة أن زملاءه فى المدرسة كانوا يتنمَّرون، ويقولون له: «اعملّنا مشية البطة»، ثم أطلقوا عليه لقب «حازم بطة»، مشيرة إلى أن والدته جاءت كثيرًا إلى المدرسة للتحدث إلى زملائه وأولياء أمورهم، لكن الأمر كان يزداد تعقيدًا.

 

قررت الأم أن تُلحق «حازم» بمدرسة خاصة، لكن جميع المدارس رفضت قبوله، وفوجئت الأم -التى أصبحت المعلمة تطمئن على أحوالها من وقت لآخر- بناظر إحدى المدارس يقول أمام الطفل: «الولد هيبقى هو الوحيد فى المدرسة بالحالة دى.. ومش هقدر أمنع عنه أذى الأولاد».

 

وأشارت إلى أن «حازم» أقدم على الانتحار بعد ذلك، بسبب إحساسه بأن المجتمع يعاديه ويضطهده.

 

وقالت أم إحدى الطالبات بمدرسة ابتدائية، إن ابنتها سمراء، وشعرها مُجعد، ولم تكن الطفلة تشعر بأن شكلها قد يسبب لها أزمة، لأن والدها الذى توفى منذ نحو عامين كان يمتدحها، ويقول إن لونها يشبه شجر «الأبنوس»، وشعرها يشبه «أشجار الجنة»، فكانت البنت تحب شكلها جدًا، وكان دعم والدها يجعلها تتجاهل من يسخرون من شكلها بالمدرسة، ويقولون لها «شوكولاتة».

 

وأضافت الأم: «عندما توفى الأب، انتقلت إلى سكن آخر، ونقلتها إلى مدرسة أخرى، وللأسف دمر زملاؤها الجدد نفسيتها تمامًا، وكانوا يقولون لها، عندما يعلمون بوفاة والدها: (أكيد صحى من النوم شافك مات)، ولما اشتكت للمدرسة ضحكت أكثر وقالت لها: (أنتِ شبه الدبور)».

 

وتابعت الأم: «بنتى بقت عدوانية، وبقت ترد على غلاستهم بعنف، وهنا بس المدرسة افتكرت وبعتت تشتكى منها، ودلوقت الدراسة بدأت وهى مش عايزة ترجع المدرسة».

 

فى السياق ذاته، قالت الطالبة هاجر محمد، من متحدى الإعاقة، إنها تعرضت للتنمُّر فى حياتها كثيرًا، موضحة: «قدمت على دبلومة بجامعة عين شمس، ورغم اجتيازى اختبار القبول، رفضنى الأساتذة فى المقابلة الشخصية، بسبب إعاقتى، فأصبحت محطمة نفسيًا».

 

عقب تلك الحادثة قررت الحصول على دعم لقضيتها عبر «السوشيال ميديا»، ونجحت فى ذلك، وظهرت أكثر من مرة على قنوات تليفزيونية للتحدث عن مشكلتها. تقول «فى هذه الفترة كنت أبحث عن عمل، وصرفت نظر عن الالتحاق بجامعة عين شمس، ثم حاولت تقديم دبلومة فى جامعة القاهرة، وتم قبولى، وفرحتى حينها كانت لا توصف».

 

واختتمت: «قدرت أتحدى ظروفى، وعافرت عشان أحقق الحلم اللى عايشة عشانه، وأتمنى أكون وزيرة لذوى الاحتياجات الخاصة، وأتمنى إن كل الناس تتعلم العطاء والإخلاص».

 

ومن القصص التى تعكس أهمية دور الأسرة فى علاج الأزمة، ذلك التلميذ بالمرحلة الابتدائية، الذى يدعى «محمود عفت عبدالعليم»، وكان الطلاب يسخرون من اسمه، ومن نظارته.

 

والد الطفل، عفت عبدالعليم، قال: «لاحظت فجأة أن الولد أصبح يكره ارتداء نظارته، ويقول للناس إن اسمه محمود عبدالعليم، ويكره ذكر اسمى، لأن زملاءه يضايقونه».

 

وأضاف الوالد: «فقررت تفسير الأمر لابنى، وأهديت له مقطوعة موسيقية لعازف الناى الشهير محمود عفت، فأحب الولد الموسيقى والاسم، ورأى صورة عفت، فأحب نظارته أيضًا، وأصبح يحكى لأصدقائه عن سر الاسم، ويفتخر به».

 

قانونى: جريمة دستورية.. وطبيب نفسى: «اللانش بوكس» ضمن أسباب الظاهرة

 

قال الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية ، إن التنمُّر يعتبر جريمة دستورية، لأنه يخل بمبدأ المساواة بين طفل وآخر، إضافة إلى أنه اعتداء على حقوق الطفل.

 

وأضاف «مهران»، لـ«كشكول»: «المُعلم الذى يستخدم التنمُّر ضد تلاميذه، ينبغى معاقبته إداريًا، وفرض تعويض عليه».

 

بينما قال الدكتور أحمد هلال، استشارى الطب النفسى، إن السبب فى انتشار هذه الظاهرة هو اختلاف الحالة الاجتماعية من طالب إلى آخر، فى ظل أنها تتسبب فى عدوانية شديدة.

 

ويرى «هلال» أن أحد العوامل التى تسبب التنمُّر هو «اللانش بوكس»، موضحًا: «كثير من الأمهات يحضرن لأولادهن أشكالًا وألوانًا من الطعام عند ذهابهم إلى المدرسة، فى حين أن أسرة صديقه الذى يجلس بجانبه لا تستطيع أن توفر هذا الوضع الاجتماعى، لذا يظهر التنمُّر».

 

وأشار إلى أن توحيد الزى المدرسى قديمًا، كان أحد الرسائل التى أطلقتها وزارة التربية والتعليم لمنع «التنمُّر»، لأن كثيرًا من الطلاب كانوا يذهبون إلى المدرسة بملابس غالية الثمن، وآخرون بملابس قديمة، مشددًا على أن الأسرة عليها واجبات كثيرة منها تعليم الأطفال الإحسان والإنسانية والتواضع.

 

وقال إن المدارس تتحمل قدرًا كبيرًا من المسئولية أيضًا، فلا بد من اختيار المعلمين بدقة، مضيفًا: «المعلم الآن يريد أن يذهب إلى المدرسة، ليلقى المقرر ثم يخرج سريعًا، دون أن يهتم بواجباته التربوية».

 

تجدر الإشارة إلى أن حملة «أنا ضد التنمُّر» بدأت فعليًا على مواقع التواصل الاجتماعى، يوم ٢٩ أغسطس الماضى.

 

وقالت وزارة التربية والتعليم إن الهدف من الحملة هو التوعية بأخطارها، وإبراز دور المعلم وولى الأمر للمساعدة فى القضاء على هذا الفعل، إذ إن الدراسات العالمية تشير إلى أن ٨ من طلاب المدارس الثانوية يغيبون يومًا واحدًا فى الأسبوع على الأقل بسبب الخوف من التنمُّر.