الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

"الولاية التعليمية".. التحكم للأب والمعاناة للأم

كشكول

 


"الولاية التعليمية".. التحكم للأب والمعاناة للأم

>> المحامون يرونه طبيعيًّا.. المرأة تعتبره ظلمًا.. علم الاجتماع يحذر.. وزير التعليم يقدم حلًّا مؤقتًا  

>> نهاد أبو القمصان: القانون يعتبر الأم "مستلفة العيال".. وإيهاب الأطرش: الحل في أسبوع واحد

 

" الولاية التعليمية تُعامل الأم وكأنها غريبة عنهم"، هكذا تصور بعض مواد قانون الأسرة وهى تدفع حالات كثيرة من الأمهات إلى حضن المعاناة عند تعاملها مع تفاصيل متعلقة بمستقبل الأبناء،  فهى لا تستطيع استخراج أى أوراق تتعلق بتعليمهم إلا فى وجود الزوج أو من ينوب عنه، ولا تستطيع نقل تعليمهم إلى مدارس أخرى بحسب تنقلاتها أو سفرها.

لكن بعد قرار وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى، بتقرير حق الولاية التعليمية للمطلقات الحاضنات بدون الحاجة للحصول على أمر وقتى بذلك من محكمة الأسرة وهو ما رحبت به مراكز حقوق المرأة، كشف عن معاناة أمهات كثيرات لم يكن أحد يسمع صوتهن وأناتهن، وقد كنّ لا يملكن حق علاج أو تعليم، مما أوقع كثيرًا من الضرر على الأبناء وعليهن أيضًا. فهل سيداوى قرار الوزير جرح القانون، وهو لا يرد للأم حقوقًا لم يمنحها لها القانون بقدر ما خفف من آلامها؟ فى السطور التالية حكايات الألم والمعاناة لأمهات ليس لهن حق الولاية التعليمية على أبنائهن.

فريدة محسن، أم مطلقة لديها ثلاث بنات، فى مراحل التعليم الإعدادى والابتدائى، رغم المطالبات الودية لوالدهن بالإنفاق عليهن ورعاية شئونهن، لم يستجب فاضطرت لرفع دعوى نفقة للصغار ضد الزوج/ الأب، وعندما علم بذلك جاء إليها وطلب الصلح فى مقابل أن يدفع مبلغ 1000 جنيه شهريًّا نفقة تشمل مأكلًا وملبسًا وشربًا ومصاريف مدارس وعلاجًا، بالإضافة إلى شمول المبلغ إيجار الشقة التى يقِمن فيها. لكن الأم "فريدة" سافرت إلى دولة عربية فى بعثة وحلمت بتحسين مستوى بناتها بعدما رتبت بقاءهن مع جدتهن.

وعندما علم الأب بعمل الأم ذهب إلى مدارس بناته وطالب بعدم اصطحابهن من المدرسة إلا بعلمه ونقلهن إلى مدارس أخرى أقل وأدنى فى المستوى، وما مكنه من ذلك كان تلك السلطة التى منحه إياها القانون "الولاية التعليمية".

عادت الزوجة وتفاوضت عن طريق محام مع الأب ليوافق على سفر البنات إلى الخارج مع والدتهن لاستكمال التعليم وأن يكنَّ فى رعايتها هناك، فى مقابل تنازلها عن كافة حقوقها وحقوقهن، وكذلك الإقرار بعدم تحمله أى مصروفات لهن مهما يكن. على أن تقر بحقه فى استضافتهن ثلاثة أشهر سنويًّا معه،  لكن الأب رفض وطلب تنازل الأم عن وظيفتها بالخارج فى مقابل إعطائهن مبلغ 2000 ج نفقات شاملة شهريًّا، ولا تزال نهاية القصة معلقة على العناد، وما ساعد فى أن تستمر العقدة بلا حل هو "ولاية الأب التعليمية على الأبناء".



الولاية التعليمية


مكتب العدالة للاستشارات القانونية يُعريف الولاية التعليمية قانونًا بأنها عبارة عن حق تمثيل الطفل وإدارة شئونه التعليمية؛ مثل: تقديم أو سحب ملفه من مدرسته قبل بلوغه سن الـ15 عامًا،  وهذه الأولوية تعود للولى، وغالبًا ما يكون الأب عند عدم وجود خلافات زوجية. ويمكن أن تؤول هذه الولاية إلى الحاضنة بقوة القانون بموجب المادة 54 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدلة بالقانون 126 لسنة 2008 والتى تم تحصينها بعد الطعن بعدم دستوريتها امام المحكمة الدستورية العليا ولكن تم رفض هذا الطعن عند وجود خلافات زوجية. ومن السهل إثبات ذلك بوثيقة طلاق عند الطلاق أو وجود منازعات قضائية بينها وبين زوجها مثل إقامة دعوى طلاق أو خلع أو نفقة زوجية أو نفقة صغار، وتعتبر من المشاكل اليومية التى تقابل الأم فى رفض تمثيلها للطفل إلا بعد الحصول على أمر وقتى من محكمة الأسرة بإعطائها الحق فى الولاية التعليمية، رغم اكتسابها هذا الحق بقوة القانون مما يضطرها للجوء إلى محكمة الأسرة بطلب وقتى لمنحها الحق فى الولاية التعليمية.

المشكلة.. الحل

نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة، تقول إن القانون يعامل الأم كأنها "مستلفة" الأبناء من الأب، وكأن القانون أعمى عن الأم تمامًا لا يراها. فإن أرادت السفر لعلاج ابنها أو نقله إلى مدرسة أخرى أو استخراج أى أوراق سريعة فليس لها قانونًا سوى طريقين: إما إعادة الابن إلى الأب وهو من يسافر به، أو الذهاب إلى عضو برلمانى ليس لحل المشكلة لأنه حتى أكبر المسئولين فى البلاد لا يستطيعون الإخلال بالقانون؛ لكن لتغيير القانون نفسه.

وتحذر رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة من الخطورة المستمرة لهذه المشكلة لحين إصلاحها، فهناك مخاطرة كبيرة تهدد آلاف الأطفال الذين ينتظرون الموافقات التى يتعنت فيها الرجال للضغط على الأم فى كثير من الأحيان للخضوع لأوامرهم وإذلالهن.

ولكن يبقى حل قانونى هو الذهاب إلى قاضى الأمور الوقتية بأمر على عريضة لشرح الموضوع مع كل التحاليل والأشعة التى تؤكد نية الأم ورغبتها فى السفر للعلاج، ويستمع أيضًا إلى الأب والخبراء، وكل ذلك خلال يوم أو يومين.

وفى حالة اقتناع القاضى فهو الوحيد الذى له - بحكم محكمة -  أن يأمر الجوازات ووزارة الصحة بإنهاء الإجراءات وبذلك تصبح الأم "مستلفة العيال من جوزها، وعلاقتها بأبنائها زى علاقة أى واحدة غريبة" لا فارق. 
وعن الحل، أيضًا يقول عصام عبد اللطيف، المستشار القانونى: وفقًا لنص قانون الحضانة  السن القانونية هى 15 عامًا للولد والبنت، وبناء على ذلك فإنه يجب أن يتم النص فى القانون على أنه مادام الطفل فى سن حضانة السيدات، فيجب أن تكون كل متطلبات الطفل تحت إرادتها وفى متناول إدارة شئون الطفل فى كافة نواحى الحياة دون إعاقة من الأب مادامت إدارة شئون الطفل لا تتعارض مع ما يخالف الأحكام الدينية والأعراف، ولا تخالف الشريعة، وذلك فى مقابل أن تراعى الزوجة أحقية الأب فى رؤية أولاده دون اعتراض منها، ومراعاة عدم امتناع الزوجة عن القيام بحجز أولادها عنه لو كانوا خارج البلاد.

ويضيف: "يجب أن يتم النص فى القانون بتجريم عقوبة احتجاز الأطفال لدى والديهم أو من يحق له الحضانة وتكون العقوبة الحبس والغرامة، ولا يكون فى الحكم التخيير للمحكمة بين العقوبتين، ويتم تعديل بند الاحتجاز للطفل عند والديه بعقوبة الخطف". مؤكدًا أنه عندما يبلغ الطفل سن الحضانة وهو الـ15 عامًا فيجب أن يراعى الأبوان مدى مصلحة الصغير فى كون اختياره استكمال حياته بنفس الطريقة أو يختار طريقًا آخر من شأنه، على أن يكون هناك مكتب للنزاع الأسرى تتم فيه الاتفاقات والتصالح بين الأبوين لصالح الصغير وذلك كما هو متبع فى القانون الحالى.

ويشدد عبداللطيف على ضرورة تفعيل اتفاقات بين الدول إذا كان أىّ من الأبوين خارج البلاد وفى حالة قيام أى منهما بمنع الآخر من رؤية أو سفر الأولاد أن يتم حرمان الممتنع من السفر مدة لا تقل عن سنتين من دخول الدولة التى يعمل بها أو يحتضن أولاده فيها.


للمحامى  رأى  آخر


إيهاب الأطرش، محامى الأحوال الشخصية، له رأى مختلف فى الحل، فهو يرى أن من الطبيعى للأب أن يوافق على كل تلك الأمور سواء السفر أو العلاج أو دخول المستشفيات حتى فى فترة الحضانة، لافتًا إلى أن قاضى الأمور الوقتية يصدر الأحكام خلال أسبوع واحد فقط، ولا توجد أى مشاكل أو تأخير بشكل مبالغ فيه يسبب مشاكل للأم، لذلك فهو يرى أن القانون الحالى للأسرة لا يسبب أى أزمة للأم، مؤكدًا أنه  خلال عمله قابل الكثير من الحالات التى استصدر لها الحكم بالسفر أو نقل الأبناء من المدرسة من خلال تلك الطريقة فى خلال أسبوع واحد، قائلًا: "جَتلى حالات كتير ومخدتش أسبوع وخدِتْ حقها".

وختامًا.. النصيحة

باحثة علم الاجتماع، فاطة حسن، تؤكد أن الانفصال يؤثر على نفوس الأبناء بالسلب، وبالتالى يحتاجون إلى رعاية كبيرة وبذل جهد أكبر من المبذول فى حالة الاستقرار؛ لذا فهى تشدد على أنه لا يصح نفسيًّا واجتماعيًّا أن تزيد الحمول والهموم على كاهل الأم حتى فى ممارسة أبسط صلاحياتها على أبنائها لتربية أطفال أسوياء صالحين فى المجتمع.

 وتحذر من أن تلك الإجراءات المعقدة فى النهاية يقع ضررها على الأبناء؛ لذلك يجب إيجاد المخرج القانونى بأىّ وسيلة تضمن حق رؤية الأب للأبناء، وفى الوقت ذاته تعطى المرأة صلاحياتها فى تربية الأبناء بشكل ملائم.